رسالة عاجلة إلى د. علاء الدين بعلوشة.. غزة

د. إيهاب بسيسو | فلسطين

أخي د. علاء الدين،
لم تكن كلماتك اليوم عن تلك السيدة من غزة والتي تريد علاج ابنها ودفع ثمن الكشف الطبي بعد استلام شيك الشئون الاجتماعية سوى صرخة انسانية مدوية في هذا المدى المطوق بكل أمراض الركود المزمن .

ولم يكن موقفك الانساني النبيل سوى الأمل الخفي الذي نرتق به أعصابنا المهترئة ووقتنا الذي صار مع تكريس أنماط العزل والحصار والانقسام ومختلف أشكال المحاصصة البغيضة سكيناً يقطع لحمنا بكل سادية وجشع أعمى …
أمٌّ من غزة تحمل وجعها ووجع ابنها المريض إلى عيادة الطبيب مطالبة إياه بإرجاء تسديد ثمن الكشف الطبي ألى بعد حصولها على شيك الشئون الذي يُمنح للعائلات المستورة كل عدة أشهر كمساهمة لحل أزمة “الفقر” …
فيعلن الطبيب عن مجانية الكشف الطبي لجميع العائلات المستورة في غزة والتي تتلقى ما يسمى شيك الشئون كل عدة أشهر …
إنه الواقع اليومي المرير الذي تحياه البلاد بعيداً عن الخُطب الموزونة والوعود المتوهجة كلمعة برق في ليال شتوية باردة …
إنه الوجع الذي يمثلنا جميعاً وهو يطل من ملامحنا الملبدة بالدمع في مرايا الوقت الحزين …
إنه نحن الذين نحاول أن نحرر الوقت من الجمود بكثير من الصبر وأمل يتناقص بحدة كمنسوب الأكسجين في حجرات ضيقة تشبه القبور …

أخي د. علاء الدين،
أمام وقت مريض بالشيزوفرينيا وتكلس الضمير الانساني ووحشية استعمارية تقضم أرواحنا بنهم ذئاب متوحشة في جسد خيول مصابة بالإرهاق والتعب …
تطل قامات من بلادي تعيننا على التوزان مجدداً رغم كل مسببات البؤس والاحباط والقلق المتصاعد كفحيح غامض في الهواء …
أنت اليوم تمنحنا بعضاً من أمل بسيط في ظل تشققات مخيفة وتصدعات مؤلمة في معمار أرواحنا المضطربة …
تصرخ دون أن يكون صوتك مبتذلاً في التبرير أو فوضوياً في الشكوى والتذمر، بل مسؤولاً ووطنياً وحكيماً في صناعة حل مهني وانساني بأبسط الأدوات المتاحة من وحي عملك اليومي …
صوتك اليوم الأكثر صدقاً في الكشف عن رداءة الوقت وهو يطحن عظامنا بهراوات من فولاذ وخيبة، عندما تختفى مشاريع إنشاء مستشفيات عن الخارطة وتذوب في وهج الشعارات الملتبسة الإمكانيات ويموت صغار في متاهة البحث عن الدواء …
ما فعلته أنت اليوم في غزة، لا يتطلب موزانات وخطط استراتيجية وورشات عمل ولقاءات موسعة وضيقة وآفاق تعاون وتبادل خبرات وأسفار …
ما فعلته اليوم هو الترجمة الصادقة لجوهر الحل الوطني الانساني لكثير من الأزمات اليومية دون تكلف وصياغات لغوية منمقة …
ما فعلته اليوم يمثل درساً جديداً ونموذجاً فعالاً وريادياً من نماذج العمل التكاملي والصمود الوطني الانساني بعيداً عن بؤس الضباب الذي يغلف الأشياء بغموض مفتعل لا يصنع سوى الحزن والكآبة والمزيد من المتاهة القاتلة …
     لك ولزملائك وزميلاتك الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات في فلسطين الوطن والمعنى وصفاء الإنسانية غير الملوثة بالجشع والضباب …
كل التحية وأنتم وأنتن تصنعون من خلايانا المتعبة نشيداً متجدداً يجعل البقاء ممكناً والأمل لغة صادقة وعملية لصمود يومي من أجل الحرية …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى