هل غدت منظمة التحرير دائرة من دوائر الدولة الفلسطينية؟!

المحامي إبراهيم شعبان | القدس

أثارت المادة الأولى  من مواد قرار بقانون حديث بعنوان (قرار بقانون رقم  لسنة 2022 بشأن دعاوى الحكومة) (قانون مؤقت)  لم ينشر بعد بالوقائع الفلسطينية (الجريدة الرسمية)، نقاشا حادا بين كثير من المثقفين الفلسطينيين وبخاصة القانونيين، لأنه وصف منظمة التحرير الفلسطينية بأنها دائرة من دوائر الدولة الفلسطينية العتيدة. وابدى الكثير انتقاده لهذه المادة المقترحة، بل ابدى بعضهم سخطه عليها وتوجهاتها السياسية. وانهالت التعليقات من كل حدب وصوب عليها في انتقاد المادة المقترحة وبيان خطورتها، رغم أنها قاعدة قانونية ليس إلا في قانون للتقاضي، مما جعل من اقترحها وصاغها ووضعها يعلن التراجع عنها واللجوء لصياغة جديدة كما ورد في الأنباء.

أصل المشكلة حينما أولج المشرع الفلسطيني الفرد نفسه عبر المادة الأولى من قرار بقانون دعاوى الحكومة  في تعريف واسع مقصود لدوائر الدولة الفلسطينية حين ذكر في الفقرة الأولى أن “منظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها ومؤسساتها والمؤسسات التابعة لها كافة”. وكأن النص المذكور أراد تعبئة فراغ حاصل عبر وضع مرجعية للتقاضي أمام المحاكم النظامية المحلية بأن جعلها مختصة في النزاعات والخصومات التي تكون منظمة التحرير الفلسطينية طرفا فيها سواء بشكل مدعٍ أم مدعى عليها. لكن المشرع جانبه الصواب بمفرداته وصياغتها .

يبدو ظاهريا ان المشرع الفلسطيني الفرد وبحسن نية قد سهت عليه الاثار الخطيرة الذي يرتبه مثل هذا النص القانوني في قرار بقانون، وبخاصة ان الحديث يدور عن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، أو أنه أراد جعل الأمر بالون اختبار لقضايا قادمة، إذ تم وضع النص القانوني في قانون هامشي نسبيا لا يلتفت إليه، أي قانون غير أساسي ولا ينظم موضوعا دستوريا باعتباره قانونا للتقاضي ليس إلا، بل ولا يمت للدستور باية صلة سوى صلته بحق التقاضي. تأويلات كثيرة وتحليلات عديدة يمكن أن تثار، لكن يجب الإقتصار على الأمر الظاهري فقط دون سواه إذا أحسنت النوايا .

قيل في نقد هذا النص أنه ينفي منظمة التحرير الفلسطينية ودورها وهي خالقة الدولة الفلسطينية، وينفي دور المجلس المركزي الخالق للسلطة الوطنية الفلسطينية،  والمجلس الوطني ويتعارض مع الميثاق الوطني الفلسطيني. بل وصل الأمر ببعضهم أن اعتبر هذا النص خطوة أولى لإنهاء دور منظمة التحرير ودعوة لاختفائها أو على الأقل يرمي لتقزيم دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.

قيل وبحق أن الفرع يتبع الأصل دلالة وحكما، وأضيف إذا سقط الأصل سقط الفرع، ولكن الأمر فيه خلط . صحيح ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الأسبق زمانيا وتمثيلا عن الدولة العتيدة، لكنها ليست خالقة السلطة الوطنية الفلسطينية. فالأخيرة نتاج اتفاقات أوسلو حرفيا وبدون تجميل، وهي صراحة التي بتنا نلعنها صباح مساء في حين باركناها عشية حدوثها ونثرنا الورود على من صنعها.واليوم غدت لعنة قامت واضرت بحقوق الشعب الفلسطيني، وهي ليست من خلق المجلس المركزي الفلسطيني، إلا إذا أردنا الإلتفاف على أوسلو وهو غير صحيح. فحتى قرارات المجلس المركزي كانت نتيجة لإتفاقيات أوسلو وليس العكس، وقرارات المجلس المركزي لاحقة لإتفاقيات أوسلو وليس العكس. وهذا الإلتفاف مرده رفض شرعية أوسلو رغم عدم دقته.  والإنصاف يقتضي منا القول أن الدولة الفلسطينية ليست من صنع اتفاقات أوسلو التي حظرت اي استباق دون اتفاق مشترك بين الجانبين، بل من صنع منظمة التحرير الفلسطينية رغم هزال وضعف هذه الدولة. لكن التداخل والتقاطع بين شخوص منظمة التحرير وشخوص السلطة الفلسطينية قاد لتشوهات خلقية وموضوعية وشكلية حتى وصل الأمرإلى ما وصل إليه. فالإزدواجية  بين المنظمة والدولة والسلطة سابقا، وعدم وضوح دور كل منها، وتهميش دور منظمة التحرير لحساب السلطة ثم الدولة، وتطبيق تشريعات سميت ثورية ما كانت لتطبق لولا صلتها بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعدم سريان تشريعات للدولة الفلسطينية على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. تداخلات وتناقضات وتقاطعات أفرزت في النهاية المادة الأولى وغيرها من قانون دعاوى الحكومة.

ولعل نظرة واحدة على مقدمة هذا القرار بقانون  تكفي لبيان هذا التقاطع بالإختصاص  بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وكأن المشرع الفرد يخشى أن يقع في المحظور فيورد كل هذه الصفات معا. فهو بدأ برئيس دولة فلسطين ثم ينتقل لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية استنادا لنظامها الأساسي ثم ينتقل فورا للقانون الأساس لسنة 2003، وكأنه لا يفرق بين هؤلاء الشخاص وهذه الأدوات ويمزج بينها بطريقة غير مبررة وغير قانونية . وكأنه يفترض أن لا تناقض بينها من ناحية قانونية وبالتالي ألدولة هي المنظمة والمنظمة هي الدولة ونقل فؤادك حيثما شئت من الهوى. ويجب أن لا نغفل عن أن جميع القوانين الحديثة سنتها السلطة الفلسطينية ورئيسها ومجلسها التشريعي وليس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وليس المجلس المركزي وليس الدولة الفلسطينية ولا رئيسها.

لو وجد مجلس تشريعي فلسطيني لما وقع هذا اللغط التشريعي، فهناك لجنة قانونية وقراءات قانونية ثلاث وتصويت على كل قاعدة قانونية وتصويت على مجمل القانون المقترح كاملا. وقطعا كل هذه الأمور لن تجعل مثل هذا النص الإشكالي يمر بسهولة ويثير كل هذا النقاش الذي لا طائل تحته. ولو وجد مجلس تشريعي لما احتجنا لكل هذه المقدمات وذكر القوانين والقرارات وحتى الاراء. وكيف لنا ان نتخيل صدور قرارين بقانونين في موضوع واحد إلا من خلال عدم وجود رؤية قانونية سليمة. فقد صدر قرار بقانون لسنة 2014 وها نحن بصدد قرار بقانون لسنة 2022 في موضوع واحد هو دعاوى الحكومة، فكيف يكون هذا التكرار في موضوع استثنائي ضيق؟

 ولأول مرة نسمع ونقرا أن راي مجلس القضاء الأعلى يعتبر سندا في مقدمة إصدار قرار بقانون كما تم عندنا، وكأن رأي مجلس الدولة المصري أو المحكمة الدستورية أو العليا تكون سندا لقانون ما. وماذا لو طعن بهذا القرار بقانون وبعدم دستوريته ، ماذا سيكون موقف مجلس القضاء الأعلى الذي أعطى موافقته المسبقة على هذا القرار بقانون. ولو دققنا تاريخ راي مجلس القضاء الأعلى لوجدناه صادرا في يوم 7/2/2022 وصدر القرار بقانون يوم 8/2/2022. ألا يدعو ذلك للتساؤل؟!  

لو وجد مجلس تشريعي لما وجدنا آفة سيل القرارات بقانون التي جعلها المشرع الفلسطيني في المادة 43 من القانون الأساس الملاذ الأخير وفقط وفقط في حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير. فاين نحن من تطبيق هذا النص الدقيق الضيق الذي يجيز للرئيس أن يلجأ إليه في حالة غياب المجلس التشريعي وقطعا في حالة ” الضرورة التي لا تحتمل التاخير “. فليس كل ضرورة لا يمكن تأخيرها مما استدعى هذا الكم الهائل من القرارات بقوانين. وهي قرارات تحتاج لعرض فوري في حالة التئام مجلس تشريعي جديد، وكأن هذه القرارات قصد منها إلغاء اي دور للمجلس التشريعي القادم.

تعامل القوانين في بلدي كرداء يتم تفصيله ثم يلبس لحالة خاصة، فإن انتهت صلاحيته، وجاءت حالة جديدة، حينها  يرمى القانون فيغدو قديما، ويتم تفصيل قانون جديد ليلائم الوضع الجديد وعليه قس، وكأننا في حالة ديكالتيكية كالجدل الفكري. وهذا ما وصفه فقيه القوانين العربي الأكبر عبد الرزاق السنهوري بالإنحراف التشريعي قبل سبعين عاما من يومنا هذا.

القانون قاعدة عامة مجردة تنظم سلوك الأفراد والمجتمع والسلط ويسمو على السلوك الفردي، بل على الأخير أن يتقيد بالقانون ويقيم سيادة القانون والدولة القانونية. فإن غاب المجلس التشريعي فيجب أن تمتنع السلطة التنفيذية عن التشريع تماما إلا في حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير وأن لا نعتبرها فرصة متاحة للتشريع حيث لا رقيب ولا حسيب فلأن تكون واثقا  خير من ان تصبح نادما ومن نظر في العواقب سلم من النوائب!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى