دِفَاعاً عَن الجُذورِ.. أرض كَنعان
فايز حميدي | شاعر فلسطيني – السويد
-١-
هيَّ الحَياة
نهرٌ من الأَحلامِ المُتدفِقةِ
تَنبتُ فَرحَتُها فوقَ أديمِ الأرضِ
كالشَّهدِ في أكْمامِ الزَّهرِ
وَتَفيضُ برائحةِ التَّحولِ
والزَّمنُ دَمعٌ غائرٌ في يَبابِ الأرضِ
وَاحتفالٌ مَجنونٌ بالجسدِ
وكرنفالٌ وَهميٌ بِصخبِ الفَرحِ
وَبهجةُ البَراعِمُ بالتفَتُحِ
أوانَ هُطول النَّدى …
شُعاعُ شَمسُ الغُروبِ
يُلوِّن الغيومَ بلونٍ قُرمزي
جميلٌ مثلَ حجرٍ كَريم
حُبورٌ ينتابُ تِلالَ الرُّوح
هُم الكِنعَانيونَ
وردةُ الحياةِ تَزهى بَاسقةً
كالطَّودِ بينَ الأشواكِ
صَفحةٌ بيضاءَ وطفولةُ عقلٍ
ونقاءُ الفكرةَ الأولى ..
تَطهَروا بالماءِ والزَّيتِ والصَّلاةِ ..
وَطهروا ذَبائِحهم بالنارِ
هُنا على أرضِ كنعانِ
العَيشُ الأوّلَ والدَّهشةُ الأُولى
ثَملَ أصحابُ الأرضِ بِشرابهُم
الأحمرَ الهَائج ..
وَدقّوا الطُبول وَصَهروا التَّماثيل
لِطردِ الأرواحَ الشريرةَ
وبينَ أصابعِ قُلوبُهم
بَنوا أوَّلَ حَواضرَ التَّاريخِ :
اريحَا
والخَليل
وبيتُ لحمٍ
والقُدسِ
واخترَعوا الحُروف الهِجائية
وكما تُطربُ الأنهارُ لحِصاد المَطر
احتَفلوا بأعيَادهم :
الهفريس ، ورشق ، وياشمون
وَحَرَثوا بأولى المَحاريثِ وَزَرَعوا
فأزهرت الأرضُ رَبيعاً وَغابات
هُنا خوارُ عِجلٍ ونزيبُ ظبيٍ
وَهناكَ عِواءُ ذئبٍ وَشدّو البُلبلِ
وَبَنوا للشَّمسِ مَعبداً يَحميها من الليلِ
وَخَبزوا في مَواقِدِها المُقدسة
أرغفةَ خُبزٍ ..
-٢-
هُنا على أرضِ كَنعانِ
قدَّموا القَرابينَ لألِهَتهم
وَنادَموا الأُفقَ بوحدَتهِ الأبديةِ
من زُنودهمُ يَقطرُّ زَبدَ التَحدّي
يَخوضونَ حُقولَ البَحرِ
وَيصعدونَ هٍضابَ العُمرِ
تَقاسَموا رَخاوةَ الصَّباح والبُرتُقال
والتينٍ والزيتونِ والزَعترِ
وَتوسَّدوا صَباحَ الطُفولةِ كالوردةِ اليانِعةِ
وَتمثَّلوا الأمَل الحيَّ وروحَ الشَّعبِ
وفكرةَ المَوتَ المُضاد للفَناءِ والغيَّاب
فَخلَّدهم التَّاريخُ …
وَحدَها ذرَّات الوقتِ وشَظايا الزَّمن تَمضي زَاحفةً باندِفَاعها اللامَرئيَّ
عَابرةً كالحُلمِ
نِدَفٌ تتساقطُ في فَضاءِ الذَّاكرةِ
يَخنقها الرَّماد ..
فَصيحةٌ في صَمتِها ..
كلُّ شيءٍ يَمضي …
مُتقلبٌ وجهُ التَّاريخِ ..
وللظلمةِ مَخالبٌ تنهشُ وجهَ الجُرّأة
تَنمو في الظَّلِ وفجواتُ الصَّخرِ
وَترتَدي وِشاحَ الغيومِ النَديَّ
لكنَّها لِعبةُ الحيَاة
ومع الفجرِ تُضيء سماءُ اللهِ
وَينمو النُّورُ الكَامن في الأعماقِ
وَبناءُ العقلِ الفعَّال
بالتَعدُّد
وَالتفرُّد
وَتقدّم الوَعي
وَإبحارٌ في المَدى
وَلقاء البشَّريةُ المُفكرة بالمتألمة
وَيتمخضُ عن عالمٍ مُتجدِّدٌ قيدَ الوِلاَدةِ
وَيومضُ السّاحلُ للمرةِ الأخيرةِ
ويسيلُ الزَّمنُ
وَسيزيفُ يَحملُ صَخرَةَ
الموتِ على كتفيهِ
وعلى شَفتيهِ لوّن الغبطةِ الأولى
شَامخاً
عَاشقاً
مُشرقاً
ويأتي الطغيانُ المَمسوس
آثار أقدامٍ همجية خرجت من كهوفها المظلمة …
غُرباء عَابرون
انتهكوا حَليب الأرض ودم الشعب
وَكتبوا بحرابٍ عُنصرية :
أهلُّ كنعان أمةٌ مَطلوبٌ أبادَتها !!
-٣-
أيُّها الكِنعَانيُّ
أيُّها الفِدَائيُّ
إسْتَلَّ كالحُسامِ ذَاكِرتُكَ ، رَصَانتُكَ
التي جَافيتُها دَهراً
كَشراعٍ ضَللّهُ البَحر
مَا من نَافذةٍ إلا وتطلُّ عليكَ !!
عُدْ لَنا
وَأعِد لبُرتُقال يَافا مَذاقهُ الأولَ
أنتَ ، أنتَ
حرارةُ الدِّماء في الأوردةِ
وَبذرة البقاء وَاعصار السُّؤال
ونضوجُ الحياة وصوتَ المَطر ..
أنهضْ ، أنهضْ من رمادكَ
هابطاً من القممِ البعيدةِ
وَعبِّئِ رُؤاك بالكفاحِ وقناديلِ الأملِ
رغمَ أمواجَ الطُغاةِ ورمادَ النهاياتِ
والظلمةُ العَمياءِ واحتضارُ الأملِ
وانتفضْ على غُبارِ الحُزنِ والحِصَّار
والليلِ الكئيبِ وَدُنيا الضَلال
وكلُّ خياناتِ النياشينِ والأوسمةِ
وانثُر جَسدُكَ وطيفهُ الأُرجوانيَّ
نَيزكاً لامعاً كَالرّمحِ
على كَعبةِ الرِّباط أرضِ كَنعان الحَزينةِ
ما زالَ حرفُ الضَاد يُضيئُ دَمِكَ …
اتبَعني ، وَدعني أُمسكُ بيدكَ
وَلنشبُكَ أيَادينا
فَما زِلنا
وَما زالَ القلبُّ المُحبُّ والحَنينِ
يُلملِمُ شَظَايا الرّوحِ وَجداً
ويحلمُ بربيعِ عُمرٍ
يُهرولُ نَحو الحَنينِ
^^^^
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية )