الوجه الاشتراكى لـ”كورونا”/للطاعون.. قراءة جبرتيّة

سيد خاطر | مصر

تتوالى الأخبار بإصابة الكبار في محنة كورونا، فمن ميركل المستشارة الألمانية التى وُضِعت في الحجر الصحي للاشتباه في إصابتها إلى تشارلز ولى العهد البريطانى التى أكدت التحاليل الطبية تمكُّن الفيرس منه..  – وصولا إلى أسماء كثيرة يصعب حصرها – مما يؤكد أن الطاعون الجديد لا يعرف الطبقية ولا يأتى لأسباب تتعلق بمستوى المعيشة.

والمتتبع للتاريخ والقارىء له لا يستغرب الأمر فهكذا الطواعين دوماً عندما تجتاح لا تفرق بين غنى وفقير وبين من يملك ومن يقع تحت القيد.

فى أواخر القرن الثامن عشر بمصر العثمانية كانت الغلبة للمماليك وظل منصب شيخ البلد  الذى يتولاه أحد المماليك هو المنصب الأول وإن كان بمصر (والٍ/حاكم) ترسله الدولة العثمانية لحفظ ماء الوجه ولتضمن نصيبها من خيرات بلد لا ينضب ثمره.

تولى مشيخة البلد إسماعيل بك الكبير عام ١٢٠٢ هـ ( ١٧٨٧م) بعد أن فرَّ أقرانه وغرماؤه ابراهيم بك ومراد من القاهرة وظن أن الدنيا قد صفت له فابتنى دارا جديدة وأتمّ بناءها وبيضها ونقل إليها الأعمدة العظام وبنى بها مقعداً متسعا ليس له مثيل في مقاعد الأمراء في ضخامته وعظمته وغرس بجانبه بستانا عظيما وظن أن الوقت قد صفا وأن الزمان قد راق. لكن القدر كان يُخبأ له ما لم يرتب له.

ويحدثنا الجبرتى مؤرخ الوقت فى كتابه عجائب الآثار أن طاعوناً قد ظهر بمصر فى رجب عام ١٢٠٥هـ ( ١٧٩١م ) ومات به ما لا يحصى من الأطفال والشبان والجوارى والعبيد والمماليك والأجناد والكشاف والصناجق ومنهم إسماعيل بك الكبير المشار إليه.

وبالنظر في كتاب الجبرتي نجده يصف لنا حجم الوباء وأثره بلغة عصره فيقول: “كانوا يحفرون حفراً لمن مات بالجيزة بالقرب من مسجد أبى هريرة ويلقونهم فيها، وكان يخرج من بيت الأمير فى المشهد الواحد الخمسة والستة والعشرة، وازدحموا على الحوانيت في طلب العِدد والمغسلين والحمَّالين، ويقف في انتظار المغسل أو المُغسلة الخمسة والعشرة ويتضاربون على ذلك، ولم يبق للناس شغل إلا الموت وأسبابه، فلا تجد إلا مريضاً أو ميتا أو عائداً أو مُعزياً أو مُشيعاً أو راجعاً من صلاة جنازة أو دفن، أو مشغولا في تجهيز ميت، أو باكياً على نفسه موهوما، ولا تبطل صلاة الجنائز من المساجد والمصليات، ولا يُصلى إلا على أربعة أو خمسة أو ثلاثة، وندر جداً  من يشتكى ولا يموت، وندر ظهور الطعن، ولم يكن حمى، بل يكون الإنسان جالساً فيرتعش من البرد فيدثر فلا يفيق إلا مخلطا أو يموت من نهاره أو ثانى يوم ………

ولما مات إسماعيل بك الكبير تولى مكانه “عثمان بك طبل” وسكن بيت سيده الذى راح مع الوباء، ولله در الشاعر الذى رثى البيت الذى لم يتمتع به من بناه فقال:

هذى المنازلُ قَبلنا

كَم ذا تداولها أناسْ

كم مُدع مِلكـا وكـم

من مدع وضع الأساس

غرسوا وغيرهم اجتنى

من بعدهم ثمر الغِرَاس

دول تمر كأنها

أضغاث حلم في نعاس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى