الآثار العقلية والجسدية للعزل الاجتماعي بسبب الكورونا

فيصل رضوان أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية| جامعة سوهاج مصر – والمعهد القومي للمحيطات الولايات المتحدة الأمريكية

تشير بعض الأبحاث إلى إمكانية أن يؤدي طول مدة التباعد الاجتماعي إلى آثار نفسية وفسيولوجية ضارة. ولكن مع وجوب الالتزام بالحجر لدحض العدوى، يتسائل البعض؛ هل هناك أشياء يمكنك القيام بها للحفاظ على الصحة عمومًا والتكيف مع الوضع؟.

ربما لاحظنا تغير مزاجي بين أحبائنا وأصدقائنا! نعم، ولا داعى للانزعاج— فقد ترك هذا التباعد الاجتماعي والجلوس بالمنازل لأيام، الكثير منا في ملل وغربة ووحدة لم نجربها من قبل. ولأن بعضنا يختلف عن البعض الآخر، ربما يجب علينا أن نقدر تماما صعوبة ما يواجه المنفتحين اجتماعيًا حيث أن الخروج والاختلاط بشكل يومي ربما يمثل ضرورة لهم وليست ترفًا.

وبغض النظر عن مدى شعورك بالضيق في هذه اللحظة، يقترح الخبراء أن المشاعر والتجارب السلبية المرتبطة بالعزل المطول ستأتي لنا جميعًا. البشر مخلوقات اجتماعية— نعم ، جميعنا كذلك. قد تمثل جائحة الكورونا المستجدة نقطة فريدة وغير مسبوقة فى حياتنا هذه الأيام، إلا أن العزلة ليست تجربة غير شائعة وقد تم دراسة اثارها على أجسامنا وعقولنا في مجموعة متنوعة من البشر كرواد الفضاء والسجناء وكبار السن. وكثيرا من هذه النتائج والأنماط التي انبثقت من تجاربهم مع هذه الوحدة، ربما تضيء الطريق لفهم حالنا الآن.

من المهم أن تتذكر أن العزلة بذاتها لا تثقل دماغك بالملل فقط، كما يصف جون فنسنت ، أخصائي علم النفس الإكلينيكي في جامعة هيوستن قائلا: “يبدأ الناس في الشعور بالخمول عندما لا يكون لديهم مدخلات إيجابية في عوالمهم الصغيرة”. “كما يمكننا أن نتوقع أن يبدأ الاكتئاب حينها، والاكتئاب depression والقلق anxiety ابناء عمومة!”. وقد ينبع القلق الشديد عندما لا تكون متأكدًا من طول المدة التي سيُطلب منك فيها الحفاظ على المسافة الاجتماعية.  

لذا يجب على الحكومات والمنظمات التواصل الدائم والشفاف حتى تتأكد من أن الناس يفهمون سبب عزلهم أولا وقبل كل شيء ، وإلى متى يتوقع أن يستمر. وتوصف سمانثا بروكس التى تدرس الآثار النفسية للحجر الصحي في King’s College London، الحالة حيث تقول: “يبدو أن عوامل الارتباك الإداري للموقف يسبب التأثير النفسي بشكل كبير حول ما يحدث ، مثل عدم وجود إرشادات واضحة ، أو تلقي رسائل مختلفة من منظمات مختلفة.” وحتى الآن ، العديد من الحكومات ، بما في ذلك الولايات المتحدة ، لم تلتفت إلى هذه النصيحة.

ولعل الأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن الحالة النفسية للوحدة والعزلة تنعكس تماما على الحالة الفسيولوجية للفرد. وتشير بعض الدراسات إلى أن تأثير العزلة والوحدة على الصحة والوفيات، لهما نفس حجم عوامل الخطر مثل ارتفاع ضغط الدم والسمنة والتدخين. ويرتبط الشعور بالوحدة أيضًا باضطراب النوم. حيث يؤثر الأرق على وظائف المناعة ، وتنظيم الجلوكوز ، وتؤدى العزلة الاجتماعية إلى زيادة التدخين و تفاقم أي حالات طبية موجودة مسبقًا مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.

وتثبت تجربة قام بها ألكسندر شوكير ، الباحث الطبي الذي يدرس علم المناعة الإجهادي stress immunology في جامعة ميونيخ ، أن هناك تغيرات جذرية حدثت في أجسام الأشخاص المشاركين في محاكاة لمهام رحلات الفضاء Mars-500. ويقول موضحاً : “لقد كانوا شبابًا ومدربين وليسوا في حالة خطر صحى حقيقي”. ويضيف: “أن تكون محصوراً ومعزولاً فإن ذلك يؤثر على فسيولوجيا الإنسان ككل”. فقد شهد المشاركون ، الذين تم عزل بعضهم لمدة ثلاثة أشهر فقط ، تغيرات جزرية في نومهم ، وتغيرات في جهازهم المناعي والغدد الصماء ، وتغييرات في عملية التمثيل الغذائي.  

افترض الكثيرون منا أن التكنولوجيا كوسيلة لربط الأشخاص بعضهم ببعض، ولكن قد لا يكون لدى مجموعات الدخل المنخفض من العمالة الموسمية ال FaceTime أو Skype أو حتى دقائق على هواتفهم، أو ربما ذلك يشكل استخدام أجهزتهم عبئاً على دخولهم البسيطة، خاصة إذا حدث أن فقدوا أغلب أعمالهم بسبب Covid-19.

ومن الطريف ان بعض الأبحاث تشير إلى أن بعض الأشخاص الذين واجهوا التحدي المتمثل في البقاء فى عزلة لفترة طويلة من الزمن قد يظهرون نموًا فى الشخصية – بما في ذلك النمو العاطفي ، والشعور بالتقرب من العائلة والأصدقاء ، والحصول على منظور أفضل للحياة – نتيجة لتجربتهم هذه. فبعد فترة طويلة قضاها احد المتطوعين في عزلة تامة ، قال إنه تغير — حيث أفاد بأن التجربة أعطته تقديرًا أكبر للناس والحياة، والاهتمام والتركيز بشكل أفضل ، والشعور العام بالسعادة أكثر من ذي قبل.

بغض النظر عن وضعك الفريد ؛ منفتحًا اجتماعيًا أو مُحباً للوحدة، هناك العديد من الأشياء التي يمكنك القيام بها لتحسين حالتك أثناء ممارسة العزلة الاجتماعية. يوصي بممارسة الرياضة يوميًا لتعزيز للمزاج العام. قد تكون الفرصة لترتيب الأوراق وإعادة اكتشاف حقيقة ذاتك والاستمتاع بحقائق من هم بالقرب منك دائما ولم تسمح ظروفك بمتابعتهم. حاول ان تهتم الآن بالمشاريع المهملة بحياتك، تعلم أشياء جديدة كغسيل الأطباق، وإعداد المائدة وصنع مخبوز البسكاتى (وهذا ما أتقنته أنا تماما!). استمر في الحياة ، ولكن كن صبورًا مع نفسك الآن، وحتى ينتهي هذا الوقت الغريب في حياتنا.

المراجع:

S ROBINSON: Isolation Has Profound Effects on The Human Body And Brain. Here’s What Happens, Science Alert.
https://bit.ly/3bmrdGs

C Singer; Health Effects of Social Isolation and Loneliness, J of aging life care.
https://bit.ly/2Vp78c0

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى