غارو نالبنديان .. من أهرامات التصوير الصحفي والفني في القدس والعالم

محمد زحايكة | القدس – فلسطين 

                               

كان الصاحب  وهو “يفعفط ” مع طواقم الصحافة الأجنبية أيام “الجاهلية  الأولى” ..وخاصة في زمن الانتفاضة  الباهر، يصادف المصور الحريف “غارو نالبنديان” وهو “يطحش” بين جموع المصورين بكل هيبة وثقة وقد ارتسمت على وجهه أمارات الجدية وصرامة النظرات وهو يتهيأ لتوثيق الحدث المعطى بكاميرتيه الفيديو أو  ” الستلز ” العادية.

كان وجود نالبنديان الذي يُنظر إليه كمصور عتيق ومحترف ومهني يضفي جوا من الجدية والاهتمام على الحدث ويقف جمع المصورين الآخرين وقد امتلات نظراتهم بنوع من الهيبة والاحترام أمام هذا المصور الوقور  والهرم الكبير  في دنيا التصوير الصحفي والفني .

وكان احتكاك الصاحب بهذا المصور الفذ، احتكاكا عابرا حتى تعرف على نجله  “هوفسب” الذي برع هو الآخر في  فن التصوير وكان فرخ البط عوام.. بل وزامله وقتا خلال العمل مع محطة CBS الأمريكية.  ولاحقا تسنى للصاحب أن يقف على بعض تجارب المصور القدير “غارو” الذي تجول حول العالم حاملا كاميرته لرصد الكثير من المآسي  والكوارث التي حلت بهذا العالم  وشاهد بأم عينيه شقاء الطفولة المعذبة ومعاناة الجياع في العالم وضحايا الحروب  الظالمة واستعباد الإنسان لأخيه الانسان .

وتفاجأ الصاحب من عبقرية هذا المصور الذي نشأ أميا كما يقول لأنه اضطر مبكرا وهو طفل  للبحث عن الرزق ولقمة العيش لذلك ساقته قدماه ذات يوم إلى مطار القدس الدولي “قلنديا” وهو لم يبلغ بعد سن الـ 13 عاما لتصوير  “داغ همرشولد” أمين عام الأمم المتحدة الذي دهش من هذا الصبي الصغير الذي يحمل كاميرا ويلتقط صورا لأهم الصحف الأردنية في ذلك الوقت .

ورغم تشرد المصور غارو في بداية حياته من حيث عدم رعايته حتى من قبل صاحب استديو التصوير الذي عمل عنده، إذ كان يكلفه بأعمال التنظيف وغيرها بدلا من تعليمه التصوير إلا أنه تحدى نفسه وتعلم خلسة مهنة التصوير بإصرار عجيب بل وأتقن عدة لغات منها الطليانية واليونانية عدا لغته الأم الأرمنية إلى جانب الانجليزية والعربية والعبرية، ولم تقف الأمور عند ذلك الحد، بل تعلم قراءة القرآن وهو الأرمني  المسيحي في جامع الشيخ لولو، بالبلدة القديمة  وهو طفل صغير. كما سيسجل التاريخ أنه ربما المصور الوحيد الذي غطى زيارة أربع باباوات روما للأراضي المقدسة منذ الزيارة الأولى للبابا بولس السادس زمن الأردن  وحتى البابا فرنسيس الأول الذي أعجب بطريقة عمله وإنجازاته ومثابرته في عالم التصوير على مدى عقود طويلة وخاصة أنه صور زيارة البابا الأول للأرض المقدسة وزيارة البابا الأخير بعد 50 عاما.

وفي جعبة غارو نالبنديان الذي يمارس عمله أحيانا من استوديو غارو في شارع الزهراء بالقدس الكثير من الحكايات والقصص من عالم التصوير الصحفي المثير على مدار أكثر من 65 عاما، ولا  ننسى أن نشير إلى أنه كان مصور قبة الصخرة المشرفة، إبان إعادة ترميمها في العام 1960 وعلاقته مع أساطين الصحافة الفلسطينية من أمثال محمود أبو الزلف وكامل الشريف الذي كان يسمح له بتغطية المؤتمرات الإسلامية ومن ضمنها مؤتمرات للإخوان المسلمين حيث كانوا  يقولون إنه عين بلا أذن، أي إنه يصور فقط بكاميرته العادية ولا يثرثر في الخارج بأي كلام يسمعه في الداخل  مهما كان حساسا؟

وغارو نالبنديان عشق مدينة القدس لذلك خصها بأجمل اللوحات التصويرية وخاصة تلك التي تبرز وحدة وتآخي  المقدسات المسيحية والإسلامية.  والصاحب يعتقد أن تجربة المصور غارو حول العالم  وتصويره الحروب والكوارث الدولية في أكثر من منطقة في شتى بقاع الدنيا وخاصة حرب العراق الأخيرة وتدميره وكيف كان العراقيون يتعاملون معه بريبة وحذر ولكن ما إن يعرفوا أنه من مدينة القدس حتى يطمئنوا له ويتوقفون عن إزعاجه في عمله. حيث إن هذه  التجربة الغنية والحافلة  تستحق التوثيق صوت وصورة وكتابة بعد .. فمن يبادر؟

غارو نالبنديان مصور أرمني من مدينة القدس، وبنكهة فلسطينية، تملكته مهنة المتاعب،  مهنة التصوير الصحفي والفني وغدا مدرسة وكلية وجامعة في دنيا التصوير حتى إن خبراء التصوير في إحدى الجامعات نصحوا نجله هوفسب  عندما أراد أن يتعلم التصوير في الجامعة الأكاديمية، بان يذهب ويتعلم هذه المهنة من جامعة أبيه.. “حرام على الوقت ” كما قالوا .. وهكذا كان.

غارو .. مصور  من طراز خاص.. له بصمة لا تمحى في هذا المجال  ونقل الصورة المقدسية والفلسطينية الى العالم في ابهى حلة واجمل معنى .  وكان حقا .. شاهدا على العصر ..  الف تحية وتقدير للمصور الفنان  الكبير  غارو نالبنديان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى