وحدي فِي المساءِ المُشْتَهَى

معين شلبية 

لوحة زيتية لمستشرق أوروبي

فِي المطعمِ الشَّتويِّ،
قُرْبَ الرَّصيفِ الأَخيرِ الَّذي قَدْ يُؤَدِّي ولا يُؤَدِّي
إِلى قُلوعٍ أَوْ هُبوط
ضَجِرْتُ مِنْ ضَجَرِي وَمَا تبقَّى مِنْ خَريفِ هُوِيَّتِي
مُستوحِشاً ظَمِأً كاشتهاءَاتِ الغريبِ
أُمَسِّدُ فِيْ جَوْفِ اللَّيلِ مَداراتِي
رائِحةُ الرُّكنِ الحائِرِ كرمادِ حريقٍ يتطايرُ
حتَّى البَعْثِ
لَمْ يَبْقَ لِيْ إِلَّا مَمَاتُ الرُّوْحِ
تَسْبَحُ فِيْ حُشاشَتِهَا الأَخيرَةِ
تَشُقُّ مَجراها البَعيدَ
كلمحِ الآهِ فِيْ غَسَقِ الدُّروبِ
لَمْ يبقَ لِيْ إِلَّا نقوشُ الطِّينِ فِيْ جسدٍ
أَنارَ اللَّيلَ مِنْ هَلَعِ السَّكينَةِ
أَطفأَ شهقةَ المِصباحِ فِيْ قلبي وأَطيافَ النُّعاسِ
لَمْلَمَنِي وعِقْدُ اليَاسَمِينِ على فِراشِ الحُبِّ يَقْهَرُنِي
كأَنْ لمْ يُفَتِّتْهُ الأَنينُ على سطحِ المَرايا المُعْتِمَة
لمْ يَبْقَ لِيْ إِلَّا سؤَالُ البَوْحِ أَلْمَحُهُ
على شِفَاهِ الفاتناتِ العابراتِ
كأَنَّهُ وَعْدٌ إِلهيٌّ يَضِجُّ خلفَ مَشارفِ النَّهداتِ
فَيْضٌ هَيُوْلِيٌّ يا ربَّةَ الرَّبَّاتِ
يا مليكَتِيَ الطَّريدةَ يا أَفْرُوْدِيْتُ
ها أَنا وحدي فوقَ المَقْعَدِ الخشبِيِّ مُرْتَبِكٌ ومُنْهَمِكٌ
أَنْثُرُكِ وحَسْرَةُ الأَوراقِ تَنْبُشُ ما كَتَبْتُ مِنَ النَّشيدِ
وحدي مِنْ ضواحِي اللَّيلِ
يأْتي إِلى قلبي المـُهَشَّمِ والمـُهَمَّشِ يا أَبُوْلُو
نَزْفٌ إِضافِيٌّ فِيْ حوضِ هذا الحُزْنِ والدَّنَفِ الشَّديدِ.
ها هو درويشُ يُشْرِقُ مِنْ مَلَكَاتِهِ
يَمْنَحُنِي ما استطاعَ مِنَ الإِمارةِ والسَّفارَةِ
وحدي أُراوغُ ما استطعتُ مِنَ التَّماهِي
وا إِلهي، هَيْتِ يَا امرأَةَ الأَساطيرِ الجديدةِ
يَنْشُبُ فِيْ دَواخِلِكِ الأُوَاْرُ
وحدي أُفتِّشُ عنكِ فِيْ مُدُنٍ أُسمِّيها خِساراتِي
وحدي وَفِي الأُوْرَاْلِ وحدي
لا شيءَ لِيْ إِلَّا جِمَارُ الشِّعرِ فِيْ نهديكِ يا فاءُ الأُنوثَةِ
تُشْعِلُ جَذوةَ الإِيقاعِ فِيْ رُوحي كما أَنَّا نشاءُ
لا شيءَ لِيْ إِلَّا مخاضُ الوَحْيِ فِي الرُّؤْيا يُلاحِقُنِي
كي تهدأَ الأَسرارُ فِيْ لغتي الَّتي
تمتدُّ مِنْ قاعِ البحارِ لِغُرَّةِ القِمَمِ
لأَعرفَ أَينَ تبتدئُ السَّماءُ
وحدي ورامبو على بَوَّابَةِ المنفَى أُطِلُّ
حيثُ ماءُ الشِّعرِ يَكْتُبُ سِيْرَةَ الصَّلصالِ
كَهْرَمَاْنِيِّ الدَّلالةِ غائِمِ التَّكوينِ
وحدي كصَفْوَةِ عاشقٍ فِيْ حَضْرَةِ المَعشوقِ
أُنازعُ ما استطعتُ مِنَ الحنينِ
وحدي لأُكملَ لوعةَ التَّذكارِ بالوعدِ الَّذي
ما ضَلَّ عَنْ عَهْدِ
وحدي أَهيمُ بكلِّ وادٍ ليسَ سحراً بلْ قصائِدُ
مِنْ جنونِ بلاغةِ العينينِ تدمعُ باللُّغَة
فَمَنْ أَنا وحدي؟
وحدي انتشيتُ؛ كأَنِّيْ رَغْمَ ما فِي الهَجْرِ مِنْ وصلٍ
وما فِي الصَّحْوِ مِنْ سُكْرٍ، تَعَمَّدَنِي البقاءُ على يديكِ
كأَنِّي الآنَ مِتُّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى