دعارة جنسية وأخرى سياسية
سهيل كيوان| فلسطين
نشرت وسائل إعلام إسرائيلية أنَّ قوّادين من إسرائيل يحاولون إقناع لاجئات أوكرانيات للعمل في الدعارة، ويعمل هؤلاء على جلب المزيد منهن، بالتّعاون مع تجار رقيق أبيض من أوكرانيا نفسها ومن مولدافيا، تحت غطاء العمل في النظافة أو كنادلات في المقاهي وغيرها. وبعد وصلوهن، يجري استعبادهن وتشغيلهن في المهنة العتيقة، حيث أن أكثرهن لن يستطعن فيما بعد التحرّر من هذه العبودية.
ما يفعله القوّادون في تجارة الجنس، تفعله أميركا في السياسة، فهي سعت وتسعى إلى استعباد دولة أوكرانيا بكل مواردها وطاقاتها لتحقيق مكاسب تخصُّ أطماعها، مستغلة رغبة الشّعب الأوكراني المشروعة في الحرية والديمقراطية، والعيش على نمط الحياة السّياسية الغربية.
من خلال استغلال الشعب الأوكراني، تسعى أميركا إلى تحقيق طموحات استراتيجية، ولن يقلقها إذا كان هذا على حساب الدم الأوكراني، فقد دفعت القيادة الأوكرانية إلى استفزاز ومواجهة الدّب الروسي ومناصبته العداء مع سبق الإصرار والترصّد.
أما ما قامت به روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، فهي عملية اغتصاب لأوكرانيا، من خلال فرض الرؤية الرّوسية الأحادية في حل النزاع حول المصالح المتضاربة للبلدين، وتهدف في النهاية إلى إرغام كييف على الدّوران في فلك موسكو.
تتحمل القيادة الأوكرانية الحالية بزعامة زيلنسكي مسؤولية كبيرة، فقد تصرّفت بغرور وغباء، ووضعت كل بيضها في سلّة “الناتو”، وحشَرت الدُّب الروسي في الزاوية، ولم تنجح في المناورة، إذ أعلنت عن نيتها الدخول إلى حلف الناتو، وعدم قبولها لمبدأ الحياد على غرار بعض الدول الاسكندنافية، بحجة أنها حرة في خياراتها، وتزامن هذا مع التّنكيل باللغة والثقافة الروسية، وتفجير مشاعر الكراهية تجاه الروس من قبل مجموعات متطرفة، مستغلة رغبة الشعب الأوكراني بالابتعاد عن قبضة الروس، وذلك أن النظام الروسي الحالي بقيادة فلاديمير بوتين رئيس جهاز الـ”ك جي بي” السوفييتي السابق، يذكّرهم بالحقبة السوفييتية التي تعني بالنسبة لأكثرهم، حياة الفقر وفتور الطموحات الشخصية والقومية.
في العقدين الأخيرين حدث تأرجح في الاقتصاد الأوكراني، بعد الركود الكبير الذي تلا التفكك، بدأ يزدهر بين الأعوام 2000 إلى 2008، شعر خلالها الشعب بالنمو والتغيير في نمط الحياة وبارتفاع في مستوى المعيشة، وصُنّف اقتصاد أوكرانيا عام 2008 في المكان الـ45 عالميًا، وهذا فتح آمالا كبيرة لدى الشعب.
تعرّض اقتصاد أوكرانيا بعد هذا إلى اهتزازات نتيجة الركود العالمي في النصف الثاني من 2009، أما ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 وتوقّف التجارة مع روسيا والحرب في إقليم دونباس مصدر الفحم الكبير، فقد أدى إلى تراجع كبير.
آخر ما يريده الأوكرانيون هو العودة إلى الفلك الروسي، باستثناء المناطق ذات الأكثرية العرقية الروسية التي تعرّضت إلى التنكيل والعداء على يد مجموعات فاشية متشددة، معادية للروس وثقافتهم.
الصين تعتبر أن اصل المشكلة، هي رغبة أميركا في توسيع حلف النّاتو شرقًا، وأنها السبب الأساسي وراء هذه الأزمة وهذا صحيح، ولو أنّ القيادة الأوكرانية لم تلعب الدّور الذي رسمته لها أميركا، وتصرّفت بحكمة وابتعدت عن التحالفات العسكرية المهدِّدة لروسيا على حدودها، لربما كانت النتيجة مختلفة عن ما وصلت إليه من تدهور، أوصل إلى هذه الحرب المدمرة والمؤذية للشعبين الأوكراني والروسي.
الرئيس الأوكراني بدأ يدرك خطأ حساباته، وأعلن “علينا أن نعترف بأن انضمام أوكرانيا إلى حلف ناتو صار مستبعدًا”، وهذا تلويح لشعبه بأنه سيرضخ للشرط الروسي بعدم الدخول إلى الناتو، ولكنه يظن بأن يعوّض هذا بضمانات أخرى حيث يجري التعامل مع أوكرانيا بموجبها كما لو كانت عضوًا في الناتو، وهذا ما سترفضه روسيا، فهي تطالب بنزع سلاح أوكرانيا بضمانات دولية، بينما تبقى هوّة الخلافات شاسعة على الشروط الأخرى بين الموقفين، ولكنها ستكون قابلة للتفاوض، وهذا يعني وقف إطلاق النار أولا، ثم إدارة مفاوضات طويلة حول مصير المنطقتين المنفصلتين دونيتسيك ولوبانسيك وآلية ضمان حياد أوكرانيا وغيرها من قضايا أمنية واقتصادية.
أميركا تحيي بسالة الأوكرانيين وتحثهم على التّصدي للروس، أي أنها تدعوهم إلى حرب طويلة، وتعدهم بدعم غير محدود، ليس حُبًا بالحرية لهذا الشعب ورخائه، بل لاستنزاف روسيا بأكثر ما يمكن، ولحرق كل الجسور القائمة بين روسيا وأوكرانيا.
وهي بهذا تمارس ما يمارسه القوّادون من استغلال لمآسي الشعوب لمصالحهم وأنانيتهم.