من إنجازات صالون أحمد بن ماجد الثقافي: الإمبراطورية العُمانية في شرق إفريقيا صفحات حضارية مشرقة محورها الشخصية العمانية

د. صالح محروس محمد
صدر في مسقط عن دار رؤى فكرية كتاب للباحث المصري الدكتور صالح محروس محمد المتخصص في تاريخ أفريقيا وتاريخ عُمان الحديث والمعاصر كتاب بعنوان (الإمبراطورية العمانية في شرق إفريقيا شروق وغروب) من انجازات الصالون الثقافي أحمد بن ماجد” الذي انطلق من القاهرة العام الماضي برعاية سعادة السفير العُماني بالقاهرة “عبدالله بن ناصر الرحبي” الذي يقوم بجهود كبيرة في دعم الباحثين والمبدعين من خلال هذا الصالون الثقافي الذي يعد انطلاقة ثقافية كبيرة في العالم العربي .
يتناول الكتاب قصة دولة مترامية الأطراف ذات حضارة يعد تاريخها فخرا لكل عربي ومسلم وصفحات مضيئة في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، فقد ظهرت إمبراطورية عربية إسلامية آسيوية إفريقية في ظاهرة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، استمرت ما يزيد عن ثلاثة قرون منذ وجود أسرة اليعاربة في شرق إفريقيا في القرن السابع عشر الميلادي -بعد استنجاد الإمارات العربية بهم ليخلصوهم من خطر البرتغال- حتي السقوط السياسي ونهاية الحكم العربي في الثاني عشر من يناير 1964 م وكانت زنجبار (التابعة لدولة تنزانيا الآن في شرق إفريقيا) عاصمة هذه الامبراطورية العُمانية الضخمة في شرق إفريقيا والتي كانت مقر حكم السيد سعيد بن سلطان (سلطان زنجبار ومسقط 1804- 1856) الذي قرر الإقامة في زنجبار عن مسقط .
وهذه الدراسة الموسوعية قام الباحث بسرد وتأريخ لقصة الوجود العماني في شرق إفريقيا من بدايته حتى يومنا هذا وهي في خمسة أبواب تحتوي على أربعة عشر فصلًا، في الباب الأول تناول الوجود العماني في شرق إفريقيا وتأسيس الإمبراطورية حيث وضح بدايات الوجود العماني في شرق إفريقيا ثم الدور العماني التاريخي في طرد البرتغاليين من شرق إفريقيا ووضح دور آل سعيد وتأسيس الإمبراطورية العمانية مترامية الأطراف التي كانت تشمل الساحل الإفريقي الشرقي من سواحل الصومال حتى حدود موزمبيق وداخليًا حتى منطقة البحيرات العظمى .
أما الباب الثاني شرح بشكل مفصل مظاهر التأثيرات الحضارية العمانية في شرق إفريقيا في المجالات السياسية والإدارية والإقتصادية والثقافية والدينية والاجتماعية والعمارة ، والتي تزال شاهدة حتي الآن على هذا الوجود .أما الباب الثالث فتناول أوربا وإرهاصات غروب الامبراطورية العمانية حيث تناول التكالب الاستعماري الأوربي وتقطيع أوصال هذه الإمبراطورية . ثم السياسات البريطانية نحو تمزيق هذه الإمبراطورية التي كانت آمنة مطمئنة ويأتيها رزقها رغدًا قبل الوجود البريطاني في المنطقة حيث زرعت بذور الطائفية في مجتمع لم يكن يعرفها من قبل، وسعت لمحو الهوية العربية والاسلامية لهذه الإمبراطورية .
أما الباب الرابع وضحنا فيه أن العمانيين لم يقفوا مكتوفي الأيدي أما السياسات البريطانية فقد قادوا المقاومة ضد هذه السياسات في الصحف مثل صحيفة الفلق والمرشد وغيرها وظهر بوضوح دور الشيخ على محسن البرواني الأكثر مقاومة لهذه السياسات والتي دفع ضريبتها سجنه عشر سنوات من عمره .
وفي الباب الخامس قصة أُفول هذه الإمبراطورية في المؤامرة الدولية التي اشترك فيها نيريري وبريطانيا واسرائيل التي انتهت بضم زنجبار إلى تنجانيقا تحت اسم تنزانيا، ثم تناولنا العلاقات العمانية التنزانية بعد الاتحاد بين زنجبار وتنجانيقا وكيف استمرت بشكل حضاري قوي حتي اللحظة الحالية .
ووضح المؤلف نؤكد أن الإمبراطورية العُمانية التي كانت في شرق إفريقيا لمدة ثلاث قرون وكذلك الحضارة العظيمة التي أقامها العُماني في شرق إفريقيا ترجع في مُجملها لشخصيته ، فلقد تميز الشخص العٌماني بصفات جعلت منه رائدًا ونموذجًا يحتذى به. فقد اتصف بصفات من الصعب حصرها فهو حَسن الخلق ومتسامح ومحب للعلم ومتواضع وصبور ولديه رغبة في تحقيق النجاح ومؤثراً في الآخرين . فصفةِ التسامح غالبة عليه فهو لا يحمل الضغينةَ في قلبه لأنه وعى على أن الضغينة ثقلٌ على القلبِ فإن ثَقُلَ أبطأ الخٌطى في نهضته.
أكد هذا الكتاب على أن الوجود العماني في شرق إفريقيا يمتد إلى آلاف السنيين قبل الميلاد وبدء رسميًا منذ تواجد دولة اليعاربة في شرق إفريقيا في القرن السابع عشر الميلادي واستمر حتي 12 يناير 1964م . كان عامل التجارة عاملًا مهمًا في ربط هذه الإمبراطورية الشاسعة. ولقد ترك العمانيون آثارا حضارية في النواحي الاقتصادية حيث أدخلوا شجرة القرنفل وشجعوا التجارة من الساحل إلى الداخل . وكان لهم جهود في نشر الاسلام ودعم اللغة السواحيلية وأيضا في العمارة التي لاتزال آثارها موجودة حتى الآن، وكذلك الآثار الاجتماعية الحضارية للوجود العُماني في شرق إفريقيا مثل نشر الكثير من العادات في المأكل والمشرب والملبس ومظاهر الاحتفالات المختلفة .
كما لعبت أوربا دورًا في تفتيت الإمبراطورية العُمانية في شرق إفريقيا حيث تكالب كل من إيطاليا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا على اقتسام هذه الامبراطورية فيما بينهم في نهاية القرن التاسع عشر، واحتلت بريطانيا زنجبار حوالي ثلاثة وسبعين عامًا استخدمت خلالها كل الأساليب التي كان أهمها اللعب على الطائفية التي تدمر أي مجتمع فخلقت عداوات بين الإفريقي والعربي التي وصلت إلى صراع مسلح في نهاية الاحتلال البريطاني لها . ولقد قاوم العرب هذه السياسة اللعينة وقاوم الاحتلال البريطاني حتى حصلت زنجبار على استقلالها في ديسمبر 1963. ثم ما كان من الاحتلال التنجانيقي لزنجبار بمساعددة دولية في أحداث يناير 1964 م . ورغم كل ذلك لاتزال شرق إفريقيا خاصة زنجبار لها في قلب كل عماني مكانة خاصة من قلبه فيذهب عدد كبير منهم سنويا لزيارتها .
توصي الدراسة أن يستفيد العرب من هذا الرصيد الحضاري العربي عند الأفارقة في شرق إفريقيا في إعادة بناء علاقات عربية إفريقية قوية تعود بالنفع على العرب والأفارقة ، وذلك في شكل مشاريع اقتصادية في النواحي الزراعية والصناعية ومصادر الطاقة .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. ما شاء الله تبارك الرحمن مجهود أكثر من رائع و طيب من أستاذنا الدكتور صالح محروس و أتحفنا بدرره البهية في تاريخ أمتنا الأبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى