أستاذي العزيز (٥)

شرين خليل | مصر

اللوحة الفنية للفنان كاميل بيسارو

وجاء الصباح وأشرقت الشمس وتخللت أشعتها نافذة غرفتي لتوقظني من سُباتي لأجد نفسي أتنفس الصعداء وكأن روحي عادت إلي من جديد .نهضت من فراشي ونظرت في المرآة أشعر أنني إنسانة جديدة .بداخلي شعور لا أفهمه شعور بالقوة ورغبة شديدة في الإبتعاد ..آلآن أنا من تريد الفراق ..بعد كل سنوات الإنتظار ..هل كان حبا حقيقياً أم كان وهما ؟ أم كلمات شادن قتلت هذا الحب بداخلي ..أخيرا إنتصر العقل وسيطر على القلب ؟
اليوم هو يوم الإحتفال والجميع ينتظره على شغف ..أما بالنسبة لي فهو نهاية العمل مع شادن ونهاية قصة حبي …هذه المرة سأتخذ أنا القرار الحاسم ..
طرقت أمي الباب ودخلت :
-صباح الخير ياريم .
-صباح الخير ياماما صاحيه بدري ليه ؟
-عشان اشوفك قبل ماتنزلي واطمن عليكي وأقولك إننا هانحضر الحفلة .
-بجد ياماما !!
-أيوا يابنتي وأخوكي رامي هايوصلك كمان وأنا وابوكي هانيجي على معاد الحفلة ..
-أنا مستغربة ياماما تصرفاتك معايا فجأة كده بقيتي بتهتمي بيا .
-بصراحة يابنتي الأستاذة نجاة كلمتني وفهمتني إني كنت غلطانة في معاملتي ليكي وطريقتي معاكي وأنا عاوزه أصلح كل حاجه وأعوضك عن اللي فات ..
-أستاذة نجاة ؟
-ايوا يابنتي دي بتحبك وبتخاف عليكي ..
-عارفه ياماما أستاذة نجاة إنسانة عطوفة وبتحب تساعد الناس كلها ..
-ياريتني كنت عرفتها من زمان بس كل شئ بمعاد ..ماتزعليش مني ياريم على اللي حصل مني زمان بس لازم تعرفي كويس إننا كلنا بنحبك بس كل واحد يابنتي بيحب بطريقته وكل واحد شايف طريقته صح ..
-خلاص يا أمي اللي فات مات ..
-بجد ياريم ؟ إنتي نسيتي اللي فات؟
-لازم يتنسي ..
-طمنتيني يابنتي هاسيبك بقى عشان تجهزي على ما أخوكي يجي .
خرجت أمي وأنهيت كل شئ وخرجت من غرفتي ووجدت أخي في إنتظاري ورافقني إلى الدار أولا وبعد ذلك ذهبنا إلى القاعة التى سيقام بها الإحتفال ومعنا الأطفال والمشرفات وجميع العاملات في حافلة كبيرة ..
القاعة مجهزة على أكمل وجه ،التنظيم رائع .وجاءت شادن ومعها والدها وبدأنا معا في تجهيز المسرح والأطفال…وبدأ الحضور يزداد وتصطف الصفوف .
وبدأ العرض بكلمة إفتتاحية للأستاذة نجاة عن دور المجتمع في الإهتمام بالطفل اليتيم وضرورة تلبية احتياجاته وإشباعه عاطفيا ومعنويا ..وعدم التفرقة بينه وبين باقي أفراد المجتمع ..ثم بدأت فقرات الحفل..
العرض مبهر للجميع فلم يتوقع أحد أن الأطفال لديهم هذه الموهبة الرائعة حتى أنا لم اتوقع كل هذا الجمال والإتقان في الآداء .
انتهى عرض المسرحية بتصفيق حار من الحضور وبدأت شادن في تجهيز الأطفال لفقرة الأغاني أما والدها فلقد إختفى بعد إنتهاء العرض فهو لايريد الظهور في وسط التجمعات ذهبت لأبحث عنه ولكن أستاذة نجاة قابلتني أمام غرفة تبديل الملابس فهي الآخرى تبحث عني :
-ريم إنت كنتي فين؟
-موجودة ،تحت أمرك .
-إجهزي ياريم بعد الفقرة اللي جايه هايكون في توزيع هدايا للأطفال وبعدها فقرة التكريم وإنت هاتتكرمي عشان كده قولت لك حضري كلمة تقوليها..
-أتكرم؟؟
-أيوا ياريم إنت تستحقي التكريم دا إنت تعبتي مع الأطفال والنتيجة رائعة ..
-أنا مش محتاجة تكريم أنا بعمل كده لأني بحب الأطفال وحاسه إنهم محتاجين للحب زي ما أنا كنت محتاجه له ..
-بمناسبة الحب بقى ياريم عاوزه أقولك إن الدكتور وليد حضر الحفلة وبعد الحفلة هايقابل والدك ..
-دكتور وليد؟
– ايوا ياريم إنت نسيتي .. إحنا مش اتكلمنا في الموضوع دا وقولنا هانأجله لبعد الحفلة .
-أيوا يا أستاذة بس..
-بس ايه ؟ لسه الموضوع القديم دا في دماغك ؟ موضوع الأستاذ اللي حتى مش عاوز يندمج مع الناس ويقعد في وسط الحضور بتهيألي بعد ماقربتي منه الفترة اللي فاتت دي لازم تكوني فهمتي إن الحب بتاع زمان دا فترة وانتهت ..الحب ياريم لازم يكون في النور لازم يعيش ويكبر الحب اللي في دماغك حاجه والحب الحقيقي حاجة تانية خالص وصدقيني هاتلاقي الحب اللي إنت بتدوري عليه مع دكتور وليد لكن الأستاذ عمر دا ماكنش حب دا كان احتياج لمشاعر مفقودة لو كنتي لاقتيها مع والدك ماكنتيش هاتحبي الأستاذ عمر .هاسيبك دلوقتي تجهزي نفسك ماتتأخريش ..
تركتني وذهبت وأنا أفكر في ما قالته لي ولكن حدث مالم يكن في الحسبان بينما أنا واقفه غارقة في التفكير أجد شادن تقف خلفي كانت في غرفة الملابس وسمعت ماقالته لي أستاذة نجاة وبدأت في معاتبتي:
-إنت ياريم؟أنا مش مصدقة ..إنت اللي كنت السبب في كل اللي حصل لنا ..
-شادن أرجوكي ماتفهميش غلط ..
-أنا سمعت كل حاجه كنت خارجة من الاوضة وسمعت ياريم غصب عني وقفت ورا الباب لما لاقيت اسم بابا في الكلام عشان كده بابا اتغير وحياته اتغيرت لما رجعتي تاني لكن لأ ياريم أنا مش هاسمح لحد أنه ياخد بابا مني تاني ..
-إطمني ياشادن محدش هاياخد منك والدك ..والدك مش هايسيبك مش هايضحي بالثوابت عشان المتغيرات . أنا الطرف العابر اللي دوره انتهى..
-ليه ماقولتليش من البداية؟
-ماكنش ينفع اقولك وبعدين دا موضوع وانتهى صدقيني انتهى..
-يعني أنا كنت مخدوعة وبنخرج سوا وندرب الأطفال وأنا مش عارفه ولا فاهمه..
-ماحصلش حاجه لكل دا ياشادن .احنا ملناش ذنب إننا اتقابلنا تاني بعد السنين دي كلها دا مش معناه إن قصة الحب هاتتعاد من تاني ..أنا من أول يوم قابلت والدك وهو طلب مني أنسى اللي فات ..وياريت ياشادن تنسيه إنت كمان مش عاوزاكي تعملي زي ما أنا عملت وتقفلي الدائرة على نفسك الماضي انتهى ومش هايعود تاني ..
-أعتبر إن دا وعد ياريم ..
-وعد ياشادن ..ويلا بقى شوفي والدك فين عشان يحضر التكريم دي آخر فقرة وبعدها هانمشي وياعالم هانتقابل تاني ولا لأ ..
– بابا في الكافتيريا بيشرب قهوة ما إنت عارفه إنه أتعود يكون لوحده دايما ..
-إنسي ياشادن الماضي وبلاش تعذبيني بكلامك أرجوكي أنا وعدتك إن الماضي إنتهي ومش هايعود تاني ..صدقيني أنا أتغيرت وفهمت يمكن كبرت كتير جدا في وقت بسيط من أول ما قابلتك وقابلت والدك وشفت الحب اللي بينه وبينك وإزاي هو حريص على مشاعرك وأنا بقيت أفكر بشكل عقلاني أكتر ..شادن .
-نعم ..
-ياريت والدك مايعرفش إنك عرفتي حاجه..
-أكيد طبعا ياريم أنا مقدرش أشوف في عينه نظرة حزن أو انكسار قدامي لكن أنا بردو مصدومة ومش قادرة أتخيل إنك إنت ياريم اللي ..
-اللي أيه ياشادن أرجوكي كفايه تعذيب فيا وإنسي بقى… أعمل أيه عشان تصدقيني..أقولك دي أخر مرة هاتشوفيني .مش هاظهر في حياتك تاني مهما حصل ..
-مش قصدي ياريم لكن الصدمة صعبة علي جدا لدرجة مش عارفه هاركز إزاي في العرض .
لا ياشادن أرجوكي حاولي تفصلي المواضيع عن بعضها إلا الأطفال لازم الفقرة بتاعتهم تطلع حلوة أرجوكي حاولي بلاش تخليني أحس بالذنب أكتر من كده يلا بقي الفقرة هاتبدأ
أشوفك بعدها ذهبت شادن مسرعة ..
أما أنا فلقد أصبحت أكثر قوة في إتخاذ القرار قرار البعد ..ذهبت إليه وجدته جالسا يحتسي القهوة في هدوء اقتربت منه وألقيت عليه التحية وطلبت منه أن يحضر التكريم في البداية رفض فهو لايحب الظهور والأضواء ولكن بعد إصرار مني وافق على مضض ..
وانتهت فقرة شادن وفقرة توزيع الهدايا وبدأت فقرة التكريم وطلبت مني الأستاذة نجاة إلقاء كلمة بمناسبة تكريمي وبدأت في إلقاء الكلمة التي كتبها قلبي .. فكم تمنيت أن أقول مافي بداخلي وجاءت الفرصة وبدأت وكأني أخاطب العالم كله وبعد إلقاء التحية على الحضور بدأت أتكلم والجميع يستمع في هدوء تام :
إن الإنسان في كل مراحل عمره يحتاج إلى الحب لا أقصد الحب بمفهومه المحدود ولكن الحب بالمفهوم العام الشامل لكل جوانب الحياة .
فالتفاؤل حب والرحمة حب والصدق حب
فالحب عطاء وتضحية من أجل إسعاد الآخرين عندما ترسم البسمة على ثغر هذا الطفل البرئ وتوقظ الأمل بداخله وقتها ستشعر بالحب يملأ قلبك وحياتك ..
أتذكر اول مرة دخلت الدار كنت أفتقد الحب وأبحث عنه ومع مرور الوقت ملأ الحب قلبي بوجودي مع هؤلاء الأطفال مع البراءة والطيبة فهذه الدار كانت بمثابة طوق النجاة الذي أنقذني من حياة مظلمة وأنار دربي وجعل لي هدف عظيم
أصبحت إنسانة جديدة بمعنى الكلمة أنظر للحياة من منظور جديد
لذا أود أن أوجه الشكر لكل من ساعدني وأحيا بداخلي الأمل لكل من علمني المعنى الصحيح للحب والحياة أوجه الشكر للأستاذة نجاة الإنسانة العطوفة والمعطاءة والتي لاتبخل عن أحد بالنصح والإرشاد وأتوجه أيضا بالشكر لإستاذي الفاضل عمر كامل وأقول له أستاذي العزيز ..
لقد تعلمت منك أن الحب هو أن أجد نفسي أولا وأكتشف مابها من جمال حتى أستطيع إسعاد من حولي فالحب هو رؤية السعادة في الآخرين فلا تنتظر أن يأتي الحب بل قم أنت بمنح الحب ستجده حينها يأتي
وأختم كلامي بقول الشاعر :
“إن نفسا لم يشرق الحب فيها هي نفس لم تدرِ ما معناها”
أشكركم على حسن الإستماع
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
تصفيق حار من الحضور
إلتف الجميع حولي والكل في سعادة وخاصة الأطفال كان يوما رائعا وخرجت مع أمي التي كانت فخورة بي لأجد أبي وأخي في إنتظاري ومعهم الدكتور وليد
وفي الجهة المقابلة تقف شادن ووالدها نظرت لهما نظرة الوداع فلن أضعف ولن أعود إلى الماضي مرة أخرى..
فعندما يطرق الماضي الأبواب
تجد نفسك متلهفا لفتح هذه الأبواب حتي ولو كان الماضي ملئ بالأوجاع ولكنه الحنين إلي العمر الذي مضي سريعا الحنين إلي الروح والقلب البرئ، الحنين لفترات كانت تمثل البراءة ولكن الأفضل ألا تسمح للماضي بأن يخترق حياتك ويجعل الزمن يتوقف أو يعود بك إلي لحظات لا تستطيع أن تغير أحداثها فتبدأ في الندم وتبدأ في لوم نفسك
إبتعد عن كل شئ يهز كيانك إبتعد وعش أيامك بكل حب وطموح ..فهذا الماضي إنتهي و لو كان خيرا لبقي..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى