شخصية صوفي الانتقامية في رواية (الكافرة) للروائي علي بدر

أ. د مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي


لقد تنبه الروائي (علي بدر) إلى خطورة العنوان في البناء الفني لروايته (الكافرة),فراح يتأنق في صياغته,واختياره استجابة للمتلقي الواعي والمثقف, حتى أنه استهلك في صياغته,واختياره ضعف الوقت الذي استهلكه في كتابة روايته وذلك لأن عملية اختيار العنوان ليس بالعمل اليسير, تلك التي يكتشف فيها الروائي عنوانا لروايته,لأنه في الحقيقة يكتشف عالمه الروائي, وعلى نحو عام أن العنوانات الروائية غالبا ما تلخص فكرة العمل الروائي نفسه,أن العنوان يأتي أما على عبارة لغوية (الكافرة),أو رقما (20 تموز) ,وربما يأتيان معا, ولابد لنا من الإشارة إلى أن كتاب الرواية يسلكون طريقين في اختيار عنوانات رواياتهم هما: الاستعانة بعنوانفرعي في الرواية لجعلها العنوان الرئيس, وأما أن تكون احدث أكثر تطورا من الجانب الفني,أو أشهرها ,أو أكثرها ذيوعا,أو أن عنوانها يتسم بعنصر جمالي أو دلالي يؤهله لأن يكون عنوانا للرواية برمتها,والطريق الثاني انصرافهم إلى عنوان آخر ينتزعونه من السياق العام ما فعله الروائي (علي بدر) عند اختياره عنوان (الكافرة) التي تميزت بازدواجية الشخصية , إذ تروي الكافرة قصة فاطمة التي تعيش في مدينة نائية سيطر عليها المتشددون الإسلاميون وأجبروها وعائلتها على خدمتهم وقتل والدها في عملية انتحارية, بعدها تزوجت من شاب عاطل عن العمل يبحث عن مجده الضائع في عملية انتحارية لينعم بوعد الحوريات ويلبس ثوب البطلبعدما كان الفشل حليفه في الحياة بعد موته قرر الإسلاميون تزويجها إلى عنصر من جماعتهم المسلحة لكن هذه المرة لم تمتثل لأوامرهم وقررت اللجوء إلى أوربا ,وكان الزمن-زمنها- هو زمن سقوط أمل العراقيين,أمل الإنسانية في حياة حرة كريمة,فقد كانت الإيقاعات راقصة لذلك الزمن العراقي الذي عشناه حروبا ,ومؤامرات كان زمنا راقصا مثل ذلك الرجل المذبوح كما ورد في الشعر,وقد يرقص المذبوح من الم الذبح, بقي عنوان (الكافرة),قد يرتبط بشخصية (فاطمة) التي تعمل صباحا مع شركة تنظيف أو لا يرتبط تماما مثل شخصية (صوفي) الفتاة الأوربية التي تذهب إلى البار لتعود كل ليلة مع شاب وسيم لتنتقم من زوجها الذي اخبرها أن سبب قيامه بعملية انتحارية هو حصوله على سبعين حورية في الجنة, فتقرر مضاجعة سبعين شابا في أوربا إلى أن تقع في قصة حب معقدة, ولا يختلف اثنان على أهمية الشخصية بوصفها العنصر السردي الأكثر أهمية في العمل الروائيبكل أشكاله,وأنماطه, ولاسيما في القص السيكولوجي الذي تستقطب فيه الشخصية الأضواء, والاهتمام كله على حساب العناصر السردية الأخرى ذلك لأن العمل الروائي هو عبارة عن الأعمال التي تقوم بها تلك الشخصية,وان النص الذي يصور الأحداث من دون فاعلها هو أقرب إلى كينونة الخبر منه إلى كينونة الرواية.

وعلى الرغم من إيمان إغلب النقاد بمكانة هذا العنصر في البناء السردي, إلا أنهم اختلفوا حول ماهيته وطريقة النظر إليه, وأهميته,أما النقاد والروائيون الواقعيون فقد أولوا هذا العنصر السردي اهتماما بالغا لافتا للنظر, إلى حد اعتقدوا معه أن وظيفة عناصر السرد كلها هي إضاءة هذا العنصر,والكشف عنه في العمل السردي, استطاع الروائي الكبير (علي بدر) تسليط الضوء على ابرز شخصية من شخصياته الرئيسة في رواية (الكافرة), وهي شخصية فاطمة/ صوفي التي تبحث عن ذاتها ,وتسير في الرواية كلها, أراد الروائي من روايته أن تكون مرآة للمجتمع العراقي المتطور ,والمتحضر, ورفع قيمة شخصيته الروائية (فاطمة) العفيفة التي انحرفت بسبب ردة فعلها تجاه زوجها الذي شارك في عملية انتحارية ظالمة, وتركها فريسة لبعض المجرمين ,والقتلة واللصوص التي هي – بحسب تصوره- نسخة طبق الأصل, أو شبيهة بالمرأة العراقية الموجودة في الواقع , جعل شخصيته الروائية تختزل مميزات الطبقة الاجتماعية, كما صار اختفاء الشخصية الروائية في العمل الروائي نظيرا لاختفاء دور الفرد في المجتمع: اجلبوا هذه الزانية الكافرة من السجن !هكذا كان الصوت خشنا قاسيا مركزا على كلمتين اثنتين زانية ,وكافرة لقد رنتا في أذني طويلا كنت اعرف معنى كلمة زانية جزئيا معنى مضببا ليس حقيقيا ليس بالضبط ولكن شيء قريب من المعنى أما معنى كلمة كافرة فكنت اجهلها كليا مع وقع الكلمة موسيقيا في أذني فقد أحببتها كافرة, إن شخصية الكافرة هي بمنزلة محور تتجسد المعاني فيه والأفكار التي تحيا بالأشخاص أو تحيا بها الأشخاص وسط مجموعة القيم الإنسانية التي يظهر فيها الوعي الفردي متفاعلا مع الوعي العام في مظهر من مظاهر التفاعل بحسب ما يهدف إليه الروائي في نظرته للقيم, والمعايير الإنسانية, والشخصيات أيضا تجسد القيم على اختلاف أنواعها في المجتمع, وتدل عليها,وتعمل على تفهمنا لها في إطار الإبداع الفني, وحديثنا عن شخصية فاطمة/ صوفي في العمل الروائي يجرنا إلى الحديث عن ثلاثة نشاطات في التحليل الأدبي,النشاط الأول هو أن نحاول أن نفهم طبيعتها, ونفسيتها, وخفاياها الشخصية في العمل الروائي,والنشاط الثاني أن نحاول فهم الأساليب الفنية التي يتبعها الروائي, والطرق التي يسلكها لعرض الشخصية وخلقها,وتصويرها في العمل الروائي لإقناع القارئ بحقيقتها,والنشاط الثالث هو أننا بوصفنا قراء مهتمون بمدى صدق هذه الشخصية وبمدى أيماننا بان الروائي قدم شخصية يمكن أن نقتنع بها, ونصدق بوجودها, والنشاط الأخير يعني بالضرورة الحكم على الشخصية الروائية من خلال العمل, كوحدة متكاملة, وكيفية نجاح الروائي أو إخفاقه في تصوير شخوصها ضمن إطار العمل الروائي: بقيت إلى المساء لم اعد إلى المنزل بقيت أفكر بهذه الكافرة كنت أريد أن أكون الكافرة لا لشيء إلا لمواساتها أكون مثلها لأخفف عنها وحين عدت إلى المنزل لم أعبا لغضب أمي التي صرخت بي أين كنت؟ – هناك قلتها بهدوء لا أباليه – أين هناك لقد بحثت عنك في كل مكان ولم أجدك شعرت باليأس أين كنت؟ إن النص الذي يأسر الروائي (علي بدر) ,ويدفعه لخلقه,ورميه إلى ذائقة المتلقي هو النص المتماوج على حدة اللغة,وقسوة الصورة,والإيغال في تشظيات النفس الإنسانية,هذه الركائز الثلاث هي ما يستطيع الوقوف على أثافيها ليخرج باعتقاد أن الروائي يحتفظ بخزين وفير من القدرة على السرد,واقتناص الموضوع بيسر,وعرض النص بما قد لا يريح المتلقي,ويترك في نفس القارئ فسحة للابتهاج,نص علي هو نص الشفرة التي لا تترك ألما بل تصنع جرحا يحتاج القارئ لوقت غير قصير كي يشفى من صراخه, أن هذه الرواية تعطينا دلالات نقدية سيميائية تدل على مضامين كثيرة, نجد النص الذي يريده الروائي محمولا بالدلالات, لابد أن يأتي مستلا من تفاصيل سلوكيات اجتماعية ارتأىإحضارها من أزمنة مختلفة في العلائق, ومتفاوتة في التشابكات, فهو يستعين بالشخصيات الواقعية والاجتماعية, ويتكئ على شخوص الحاضر معطيا إياها دور الباحث المتفاعل الذي سيخرج بحصيلة تتكرس مدلولات تسهم في فائدة البشرية في التعامل,والحكم ,انه يمنح المتلقي أبوابا متعددة مواربة للقراءة,والتأويل اعتمادا على كون النص كرة كريستالية تبث الدلالات التي تستنهض رؤى المتلقي فتثير فيه مهمة البحث عن الشفرات فهو يستعين ,بالنقد المعاصر لينظر إلى الشخصية بوصفها كائنا مصنوعا باللغة من صنع خيال المؤلف, لا وجود واقعي له خارج النص الأدبي, لان الأدب لا يوجد شيء خارج اللغة , وعليه فالشخصية في السرد- كما يرى تودوروف- هي قضية لسانية لا وجود لها خارج الكلمات, ومهما كانت درجة مطابقتها للواقع , فهي لا تعدو- كما يرى بارت- أن تكون كائنا من ورق, ونحن نختلف مع الآراء السابقة, ونقول أن شخصية فاطمة/ صوفي في رواية الكافرةشخصية حقيقة,وواقعية,وهي تعبر عن وجهة نظر الراوي العليم , فمن خلالها عالج الروائي الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة ,وجمع بين الماضي والحاضر من خلال المكان الأليف التي عاشت فيه أتعس لحظاتها القديمة, واعتمدت على ذاكرتها في استرجاع الإحداث فهي رواية مؤلمة لما فيها من أحداث مدمرة تصور الإرهاب باشع صوره وكيف يمارس زوج إلام الاضطهاد والظلم لزوجته المسكينة من ضرب وتعنيف وتسمع وترى فاطمة المشهد المرعب كل ليلة ويبقى في ذاكرتها: ومن الأشياء التي لا أنساها أيضا لا أنسى صوت أمي المتهدج في الليل كنت أتلفلف في الفراش وأتظاهر باني نائمة قالت لراضي الرجل الذي تزوجته بعد مقتل أبي لا تضرب على وجهي حاولت تدير وجهها على الجهة الأخرى فجرها بيد خشنة قوية مشفقة وانزل قضبته الأخرى على وجهها بقوة فسال الدم من انفها – عاهرة أنت عاهرة قولي انك عاهرة لن أتركك حتى تقولي انأ عاهرة0 قالت له البنت نائمة لا أريدها أن تسمع , إن رواية الكافرة لا تقوم إلا على أحداث فان الإحداث لا تجري دون شخصيات,والشخصية هي الإنسان الذي يستخدم رمزا لشخصية إنسانية,لغاية من الغايات,وشخصية كل إنسان تتألف من عناصر أساسية تتعلق بالمكان والزمان والحدث والحوار ومن منا لم يعجب, وهو يقرأ رواية (الكافرة) على قدر من الجودة,كيف استطاع الروائي (علي بدر) أن يبث الروح في شخصياته,ويمنحها خصائصها المميزة على غفلة من قرائها,بحيث لا يستطيع المرء أن يحدد بسهولة أين, ومتى منحت الشخصية صفاتها المحددة,ورسختها في الذهن, فشخصية (ادريان), وهو صاحب مشروع الانحراف الأول لصوفي, والتي أحبته فيما بعد, ومن خلال الحوار بين الشخصيتين, يضيف السارد الروح إلى شخصية (أدريان): قالت لي صوفي ذاكرتك قوية, أنت تتذكرين حتى التفاصيل الصغيرة! نعم أتذكر حتى التفاصيل الصغيرة بصورة واضحة كأنها حدثت معي ولم تكن في الماضي ذاكرتي أفضل بكثير من ذاكرتك فأنت تنسى كثيرا يا صديقي أنت تنسى حتى الأشياء المهمة بسرعة متناهية لا أريد أن أذكرك بنسيانك مفتاح السيارة مرة في المقهى ونسيانك محفظتك مرة على الطاولة في منزلي وأشياء كثيرة أخرى تنساها بسرعة مع إني أذكرك بها وفي أحيان كثيرة أذكرك بها أكثر من مرة إلا انك تنساها أقول لك ساخرة ادريان هل تتعمد النسيان؟ ومن خلال استنطاق رواية (الكافرة) نجد الروائي (علي بدر) يتحدث عن توثيقه الشخصي, لتدمير العراق من الإسلاميين, وهي الصورة الوثائقية التي أخرجها من مكتبة عمره, ونقلها على الورق إن هذا النوع من الكتابات أقرب أشكال الكتابة التاريخية إلى الواقع لأنها لا تؤمن ولا للحظة واحدة بالكتابة الموضوعية, وكل من يتحدث عن الموضوعية إنما يسعى لوضع قناع عن ذاتيته في ما يكتب وما يقرر, ليست الموضوعية إلا خداع بصر وذرا للرماد في العيون , ويجب إن نخرج من هذه الكذبة الكبيرة, إذن كانت شخصية فاطمة/ صوفي قد تحولت من الموضوعية إلى الذاتية من خلال السرد الذاتي تتجسد من خلال تحول السرد من السرد الموضوعي, إلى السرد الذاتي, وبلغة أدبية رقيقة,ورفيعة المستوى تدل دلالة واضحة على حسرة الروائي على ما أصاب العراق الجريح,أن أهم ما يميز الروائي علي بدر في روايته الكافرة اعتمده على تقنية الفلاش باك من خلال استرجاع ذاكرته للإحداث السياسية, والاجتماعية التي عاشها في الزمن الحالي, وممارسة النقد اللاذع للمحتلين والمتشددين, وأصحاب الدين المزيف, فضلا عن تشتت الرواية لتعطي صورة واضحة, وواقعية عن تشتت العراق, والصراعات الطائفية فيه, وأكد على بعض الشخصيات المحورية الساردة للأحداث لكي يثبت الواقع المزري, فضلا عن استخدامه لتقنية الميتافكشن في روايته الرائعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى