نعم للسّلام ويحيا الاحتلال
سهيل كيوان | فلسطين
عندما تشتعل الكريهةُ، وتطحن في رحاها البشر في أي مكان في العالم، يتعاطف الجمهور الحيادي مع أحد طرفيها، في الأساس مع من يقنعنا بأنّه مظلوم، وعادة ما يكون المظلوم هو الطرف الأضعف، فالضعيف لا يهرول إلى الحرب، ويمارس أضعف الإيمان، فيدعو إلى تطبيق الشرائع الدولية والإنسانية، ويستعطف هذا وذاك لكسبه إلى جانبه.
وعندما لا يحصل الضعفاء على حقوقهم ولا يجدون من ينصفهم، يلجأ بعضهم إلى أعمال عنف، وهي تلك الأعمال التي تسمى في القاموس السياسي «إرهابية». لأنها تحاول تغيير واقع سياسي ما بالقوة.
ولهذا عليك أن تملك رؤوساً نووية وصواريخ فرط صوتية مجنّحة، وغوّاصات قادرة على إصابة أهداف على مسافات آلاف الكيلومترات، كي لا يصفك أحد بالإرهاب.
كل الحروب سيئة ذميمة، حتى الحروب الصادقة كريهة، «كُتب عليكم القتال وهو كُره لكم»، ولهذا لا يمكن نشوب حرب بين طرفين مستقيمين.
هذه الحرب التي يتابع العالم تطوراتها ليست بين طيّبين وأشرار، وليست بين ظالم ومظلوم، والفرق ليس واضحاً تماماً، ليس أسود على أبيض، فلكل طرف فيها مساهمته.
أشفق على سيدة تجري وكلبها إلى جانبها بين أنقاض البيوت، أشعر بالظّلم الذي تتعرّض له هذه السيدة ومثيلاتها ممن طمحن إلى حياة هادئة مع كلابهن الصغيرة.
أشفق على جندي كان يحلم بالعودة إلى حبيبته منتصراً، المسكين الذي حلم بعرض عسكري في ساحة مدينته، ربما ظنّ أنه سيحصل على وسام ما من بوتين شخصياً، المسكين لم يعرف كيف كانت نهايته، خبطة هائلة ودخان ونار وخلال ثانيتين صرخ كل ما أمكنه من رعب، وغاب في العدم، لن يعرف ماذا فعل رفاقه بجثته، هل أحرقوها في آلة متنقلة لحرق الجثث كي لا يكون عبئاً عليهم في ساحة المعركة، وهل هي آلة حقيقية وليست دعاية معادية، أم دسّوا جثته في التراب في ضريح جماعي مؤقّت، أم نُقل كتلة فحم ليحتفوا بها في تابوت نظيف في ساحة قريته!
امتعض الإسرائيليون من كلمة رئيس أوكرانيا زيلينسكي التي وجهها إلى الكنيست، لأنه أجرى مقارنة بين المحرقة اليهودية والغزو الذي تتعرض له بلاده!
وهذا صحيح، لا توجد أي مقارنة بين ما جرى لليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية من قبل النازيين، وما يجري حالياً في أوكرانيا.
هذه حرب بين جيشين كبيرين، أحدهما جيش دولة عظمى، تملك أكبر مساحة في العالم، والآخر جيش مدعوم من دول عظمى تضخ عليه نهراً من العتاد العسكري المتقدم والأموال بلا حساب، وتحاصر الطّرف الآخر وتقاطعه اقتصادياً وتسبّب له أضراراً هائلة بمئات مليارات الدولارات، وتطرد سفراءه وبعثاته الدبلوماسية من أراضيها بالعشرات.
تلويح الكرملين بالسّلاح النووي في حال تعرض أمن روسيا للخطر لم يأت من فراغ، بل يأتي على خلفية الخسائر الكبيرة في الميدان أمام الأسلحة المتقدمة جداً المتدفقة بلا حساب، ولا بدّ أن هناك ضباطاً وغرفة قيادة لحلف الناتو تعمل وتخطّط وتوجّه لصالح الجيش الأوكراني، بما في ذلك خدمات الأقمار الصناعية التي ترسل صوراً توضّح تحرّك القوات المعادية، وأمكنة تمركزها وتنقلها على الأرض، ومن خلالها ممكن الكشف عن المناطق الضعيفة في الجبهة التي يمكن اختراقها أو الالتفاف عليها، أو الطريق التي ستمر منها القوات المعادية.
هذا يُذكّر بثغرة الدفرسوار في قناة السويس خلال حرب أكتوبر عام 1973، حيث نقلت الأقمار الصناعية الأمريكية نقطة الضعف على الجبهة المصرية التي يمكن اختراقها، ومن خلالها تمّ تطويق الجيش المصري الثالث.
الرئيس الأوكراني ليس مسكيناً وليس ضحية تماماً، فقد أعلن عن رغبته في دخول بلاده إلى حلف عسكري ليس بريئاً، أي أنه ليس محايداً ورجل سلام، وهو يملك مفاعلات نووية، إضافة إلى قوى بشرية قومية متطرفة معادية للرّوس وللغتهم.
في خطابه أمام الكنسيت، تبنى أكثر الدعايات الصهيونية اليمينية والغيبية تطرفاً، زاود على الإسرائيليين أنفسهم، إذ اعتبر الفلسطينيين غُزاةً لبلد طيِّب وبريء ينشد السّلام مع جيرانه. واعتبر إسرائيل ضحية العدوان مثل أوكرانيا.
حسب نظرية زيلينسكي، فإن أهالي مخيمات عسكر وجباليا وعين الحلوة والجلزون وقرى جنين، يشكلون قوة احتلال تشبه قوة الجيش الروسي، وأن آلاف الإسرائيليين يحاولون في كل صباح عبور الجدار الفاصل من فوقه ومن تحته، وقد يُقتل بعضهم أثناء الدخول إلى قرى منطقة نابلس وطولكرم وقلقيلية والخليل لبيع قوة عملهم للمقاولين الفلسطينيين الذين يستغلون اليهود أبشع استغلال! وهكذا وبحسب زيلينسكي، فإنه بسبب حصار جيش غزة لإسرائيل صارت المياه الجوفية في تل أبيب مالحة جداً وغير صالحة للشرب.
زيلينسكي جعل من أهالي القدس العرب معتدين، فهم الذين يطردون سكان القدس الغربية من مساكنهم ليحتلّوها، والقرويون الفلسطينيون هم الذين يقطعون أشجار الزيتون في ضواحي نتانيا وينهبون المحاصيل الزراعية من الكيبوتسات.
حسناً، إذا كان زيلينسكي يكذب بهذه الفظاظة، فكيف نصدّق أنه بريء مما يحدث في بلاده؟ وكيف نصدّق بأنه غير مُسيّر إلى رغبات الآخرين وحساباتهم، وليس بالضرورة إلى ما تتطلبه مصلحة شعبه!
كيف نصدّق مزاعمه بأنه يطمح إلى السّلام مع جيرانه، ومنطقه لا يختلف عن منطق السّلام والرّغبة في الاستقرار الذي يتحدّث عنه نفتالي بينت ونتنياهو وشارون وغيرهم من «الحمام الزاجل»!
الحقيقة أن خطاب زيلينسكي يجعلنا نفكّر بأنه واحد من اثنين، إما أنه غبي بالفعل ولا يعرف ما يدور على أرض الواقع في فلسطين، أو أنّه يعرف جيّداً ولكن الهدف عنده يبرّر الوسيلة.
الشعور الذي ينتاب الإنسان في هذه الحالة متضارب ومتناقض، فمن جهة تُعجبُ بإرادة شعب يطلب الحرية بكل ثمن ويواجه قوة عسكرية هائلة، وفي الوقت ذاته تشعر بالقرف من زعيمه الذي يزيّف الحقيقة والواقع في الوقت الذي يستمع إليه ملايين البشر عبر العالم، ليتحوّل إلى بوق إعلام صهيوني على مستوى دولي رفيع، وبلا شك أن له تأثيره في أوروبا بشكل خاص. وهو بهذا كمن يقول «لا للحرب ونعم للاحتلال»، إنه يشبه بهذا فيروسات السّايبر.
من الملاحظ أن هجمات السّايبر تلعب دوراً في هذه الحرب، لهذا يحتاج كل طرف إلى إدخال برامج متقدمة ضد الفايروسات، فالفايروسات تجدّد نفسها وبطرق ذكية، منها التظاهر بأنها تنتمي إلى برنامج بريء لحماية كمبيوترك وهاتفك، وما إن تنخدع به حتى يضرب، ولهذا، وكي لا تفقد البوصلة، عليك ببرامج متقدمة مضادة للفيروسات الكثيرة، ومنها فيروسات تدعو للسّلام من جهة وتخدم الاحتلال من الجهة الأخرى.