بين يدي رمضان

محمد موسى العويسات| القدس

(رمضان جزء من نظام الإسلام)

النّاظر في آيات الصّيام في سورة البقرة والتي تبدأ بقوله تعالى: “يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام …آية 183 وتنتهي بقوله تعالى: ” يسألونك عن الأهلة… آية 189″، النّاظر فيها يجد أنّها لم تُقصر على الصّيام الذي هو من العبادات الفرديّة، بمعنى أنّ نفعه قاصر على الفرد الصّائم فهو كالصّلاة والحجّ والذّكر ، وليس كالزّكاة والصّدقة التي يتعدّى نفعها شخصَ المتعبّد ليشمل الآخرين من الفقراء والأصناف الأخرى التي نصّ عليها الشّارع، لذا تجد آيات الصّيام تناولت في ثنايا أحكام الصّيام أموراً جعلت له بعداً مجتمعيًّا كبيراً، وهذه القضايا هي:
جعل فدية الإفطار لمن لا يطيقون الصّيام طعام مسكين “وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين”. وهذا من معالجات الفقر كالزّكاة تماماً وكفّارات الأيمان وغيرها.
الدّعوة إلى الاهتداء بالقرآن والالتزام بما جاء به، فقوله تعالى: ” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرأن هدى للنّاس”، لا يعني إشارة لتلاوته والتعبّد بقراءته فقط، بل هو حثّ على الالتزام بأوامره ونواهيه.
الإشارة إلى قاعدة عظيمة من قواعد الدّين هي: ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ” فهذه الآية ليست مقصورة على الصّوم ، بل هي عامّة في كلّ شأن من شؤون الدّين، فلا مشادّة في الدّين ولا تعنّت في أداء العبادة.
إخراج النّاس من ضيق الحسابات الماديّة في كلّ شأن، إلى دائرة ربّانيّة فسيحة تسع كلّ حاجة له، وهي الدّعاء، قال تعالى: ” فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان”.
قوله تعالى في الآية التي أحلّت مواقعة النّساء في ليلة الصّيام ونسخت حكم المنع: ” هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ” تصوير عظيم ودقيق للعلاقة الزّوجيّة التي لا تنحصر في الرّفث والإفضاء.. فهذا الجزء من الآية وضّح صورة العلاقة الاجتماعيّة بين المرأة وزوجها. وقد تحدّثنا عنها من قبلُ موضّحين دقّة معاني: ” هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ”. ولا يتسع المقام هنا للتكرار .

قوله تعالى: ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون”، ليس نهياً عن الرّشوة فقط، بل نهي عن أكل أموال النّاس بالباطل بعامّة، ومن المعلوم أنّ الصّيام فيه جوانب ماليّة كثيرة منها كفّارة الإفطار ، وزكاة الصّيام ، وكثير من النّاس من لايخرج زكاة ماله إلا في رمضان طلباً لمضاعفة الأجر. وهذه الأموال يجب أن تصل لمستحقيها، وتصرف في جهاتها التي نصّ عليها الشّرع.فمثلا لا يُبنى بزكاة الفطر مسجد ولا رياض أطفال، ولا يُدعم بها نادٍ ولا أصحاب المساخر، وغير ذلك.

7ـ الأمر الأخير في الآية الأخيرة في قوله تعالى: “يسألونك عن الأهلّة” فيه أمور كثيرة أهمّها:
أ ـ القرآن ليس كتاباً للعلوم، وإن وجد فيه كثير من الحقائق العلميّة، فهو كتاب لتنظيم شؤون الحياة البشريّة في علاقاتها الثلاثة المعروفة، علاقة الإنسان بنفسه، وعلاقته بغيره، وعلاقته بربّه، والعلوم الدنيوية متروكه للناس.

ب ـ السّؤال في أي شأن، وفي الدّين خاصّة يجب أن يؤدّي إلى منفعة عمليّة، تعلّقت بالدّنيا أم تعلّقت بالآخرة.
ج ـ الحقيقة التّربويّة، وهي أنّك تردّ السّائل في سؤاله إلى ما ينفعه كي لا يكون هناك خروج عن الموضوع، وكي لا يقع الشّتات والتّشتيت.

والله أعلى وأعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى