مواجهة عمليات التّهويد الثّقافي والتّاريخي
جميل السلحوت | أديب وكاتب مقدسي
عمليّات التّهويد الثّقافي والتّاريخيّ موضوع واسع وطويل ويمتد عبر سنوات تزيد على قرن من الزّمن، وظهرت إلى العلن بشكل واضح بعد المؤتمر الصّهيونيّ الأوّل في بازل في سويسرا عام 1899م، عندما رفع الصّهاينة الأوائل شعار عودة اليهود إلى أرض الميعاد! والمقصود هنا هجرة يهود العالم إلى أرض فلسطين، بناء على غيبيّات دينيّة ابتدعوها، وأخذت الأحلام الصّهيونيّة بعدا آخر بدعم الإمبرياليّة الغربيّة لأطماع الحركة الصّهيونيّة عندما أعلنت بريطانيا “وعد بلفور” في الثّاني من نوفمبر 1917م، والذي بموجبه تمنح بريطانيا فلسطين لليهود؛ ليقيموا عليها وطنا قوميّا لهم. وتوالت الهجرات اليهوديّة إلى فلسطين التي خضعت للإنتداب البريطانيّ بعد هزيمة العثمانيّين في الحرب الكونيّة الأولى، وقد تنبّه الفلسطينيّون للخطر الدّاهم الذي يتهدّد وطنهم ووجودهم فيه، وإحلال آخرين مكانهم، فقامت ثورات متواصلة، ومن أبرزها ثورات الأعوام 1917، 1922، 1927، 1936م وهذا العام”1936″ شهد عصيانا
” مدنيّا استمر لستّة أشهر متتالية، ولم يتوقّف إلا بعد تدخّل الملوك العرب “بناء على “نوايا الصّديقة بريطانيا” لكن الثورة امتدّت حتّى العام 1939! وفي العام 1928 أسّس الشّيخ عزالدين القسام ما عرف باسم العصبة القسّاميّة، التي قاومت الإنجليز بالسّلاح، واستمرّ جهادهم حتّى استشهد الشّيخ القسّام في 29 نوفمبر 1935، وفي ذلك العام أسّس الحاج أمين الحسيني “حركة الجهاد المقدّس، واختار عبدالقادر الحسيني؛ ليقود هذه الحركة، حتّى استشهاده في 8 ابريل 1948م.
بعد استشهاده بيوم ارتكبت العصابات الصّهيونيّة مذبحة دير ياسين، وعندما أعلن بن غوريون قيام اسرائيل في 15 مايو 1948، ارتكب الصّهاينة عدّة مجازر منها الطّنطورة، الدّوايمة وجامع دهمش في الّلدّ وغيرها، وهجّروا 900 ألف فلسطينيّ حسب احصائيّات وكالة غوث اللاجئين التّابعة للأمم المتّحدة. وتوالت المجازر مثلما حصل في كفر قاسم يوم 29 اكتوبر 1956 مستغلّة العدوان الثّلاثي”اسرائيل، فرنسا وبريطانيا” على مصر. وتواصلت الأمور حتّى وصلت شهر حزيران-يونيو- 1967م عندما شنّت اسرائيل حربها العدوانيّة، واحتلت ما تبقّى من فلسطين”الضّفّة الغربيّة بجوهرتها القدس وقطاع غزّة”، وصحراء سيناء المصريّة ومرتفعات الجولان السّوريّة.
التّهويد الثّقافي والتّاريخي
منذ نشوء الحركة الصّهيونيّة في نهاية القرن التّاسع عشر، وبدعم من القوى الإستعماريّة، شغّلوا طاحونة إعلام هائلة لتهجير يهود العالم إلى فلسطين التي اعتبروها “أرض اسرائيل”، زاعمين أنّ هذه الأرض هبة من الرّبّ لليهود، كما شرعوا بتزييف التّاريخ، فرفعوا شعار “عودة شعب بلا أرض، إلى أرض بلا شعب”، وحتّى بنيامين نتنياهو في كتابه الذي صدر عام 1994 بالإنجليزيّة وترجم إلى العربيّة تحت عنوان” مكان تحت الشّمس”، زعم أنّ “أرض اسرائيل” كانت خالية من السّكان، وبدأت الهجرات العربيّة إليها عام 1922متزامنة مع عودة اليهود إلى أرض الآباء والأجداد”! وواصل أكاذيبه بقوله” أنّ اليهود لم يجدوا في هذه البلاد شجرة خضراء واحدة”، وهو بهذا يتناسى وجود اثني عشر مليون شجرة زيتون “رومانيّة” أي عمرها فوق ألف سنة في فلسطين، التي كانت من أشهر مصدّري الحمضيّات إلى أوروبا.
وبعد نكبة الشّعب الفلسطيني الأولى في العام 1948، عملت اسرائيل على طمس الوجود العربي، فهدمت حوالي 540 قرية وتجمّعا سكانيّا ومحتها عن الخارطة، وأقامت على أراضيها بلدات وكيبوتسات يهوديّة. وفي محاولة منها لتزييف التّاريخ، حرّفت أسماء المدن الشّهيرة التي كانت قائمة، فمثلا بيسان صارت “بيتشان” واسدود صارت”اشدود” وعسقلان “أشكلون” وهكذا. وفي محاولة منهم لتزييف التّاريخ فإنّهم يطلقون على مستوطناتهم في فلسطين أسماء توراتيّة وتلموديّة. وكنموذج للصّراع الثّقافيّ سأطرح هنا ما يجري في مدينة القدس، كونها الأكثر استهدافا.
الصّراع الثّقافي في القدس
يجدر التّنويه الى أن الاحتلال يسعى إلى تهويد القدس الشّريف جغرافيا وتاريخيا وثقافيّا واجتماعيّا واقتصاديّا وديموغرافيّا، أيّ أنّ سياسة التّهويد تشمل كلّ مناحي الحياة، وقد بدأت سياسة التّهويد بعد احتلال المدينة المقدّسة مباشرة في حرب حزيران 1967 العدوانيّة، فقبل أن تسكت أصوات المدافع كانت الجرّافات الإسرائيلية تقوم بهدم حارتي الشّرف والمغاربة المحاذيتين لحائط البراق-الحائط الغربي للمسجد الأقصى- تمهيدا لبناء حيّ استيطاني يهودي مكانها، وشمل الهدم 1012 بيتا من بينها مساجد ومدارس تاريخية، تمثل جزءا من الإرث الحضاريّ الإنسانيّ، كما أن الكنيست الاسرائيلي اتّخذ قرارا في 28-6-1967 بضمّ القدس الشرقية المحتلة إلى اسرائيل من جانب واحد، لتصبح مع القدس الغربية “القدس الموحدة عاصمة اسرائيل الأبدية”، وذلك في مخالفة واضحة للأعراف والقوانين الدّولية ولقرارات مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وضدّ رغبة مواطنيها الفلسطينيّين، والذي يعنينا هنا هو أن اسرائيل فرضت قوانينها على القدس المحتلة، وشرعت في تهويدها منذ بداية الاحتلال.
واللافت أنّ سياسة التّهويد التي لم تتوقّف يوما هي سياسة مدروسة ومبرمجة، وقد وصلت إلى المسجد الأقصى منذ بداية الاحتلال، حيث جرت ولا تزال حفريّات تحت أساساته ممّا يهدّده بالإنهيار، ورغم عدم عثورهم على أيّ أثر يهوديّ إلا أنّهم لم يتوقّفوا، وفي شهر -أغسطس-1969 تمّ إشعال النّيران في المسجد، ودمّرت فيه معالم تاريخيّة،-ومن ضمنها منبر صلاح الدّين- لا يمكن تعويضها، وواصلوا اقتحاماتهم له، ومنذ العام 2013 يتم اقتحامه وتدنيسه بشكل شبه يومي، تمهيدا لتقسيمه على غرار المسجد الابراهيمي في الخليل، أو هدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه، ممّا جعل الصّراع مع المحتل يشمل كلّ شيء، لأنّه استهدف كلّ شيء.
وفي المجال الثقافيّ فرض المحتل لغته في خطاب المقدسيّين الفلسطينيّين، فأيّ رسالة تأتي للمقدسيّ الفلسطينيّ، من أيّ جهة اسرائيلية هي باللغة العبرية التي لا يجيدها حتى الآن إلا قليلون من المقدسيّين الفلسطينيّين، كما أن اللغة العبريّة فُرضت على المدارس ضمن المنهاج المدرسيّ، ولا يفهمنّ أحد هنا أنّنا ضد تعلّم هذه اللغة أو أيّ لغة أخرى، لكننا نلفت الإنتباه الى أنّها فرضت فرضا على طالبات وطلاب القدس الفلسطينيّين، وللتّذكير فقط فإنّ المحتلين الإسرائيليّين فرضوا منهاجهم الدّراسية على مدارس القدس المحتلة بعد احتلال عام 1967 مباشرة، لكنّ الطلاب رفضوا الالتحاق بالمدارس الرّسميّة في حينه، والتحقوا بالمدارس الخاصّة، والمدارس الفلسطينيّة الواقعة خارج حدود البلديّة -حسب التّقسيمات الإداريّة للاحتلال-، حتّى وصل الأمر أن يكون عدد طلاب المدرسة الرّشيدية-أكبر مدارس القدس الثانوية- أحد عشر طالبا، في حين كان عدد المدرسين يفوق الثلاثين، ممّا اضطر الجهات الرّسميّة الإسرائيلية إلى بحث أسباب رفض الطلاب الفلسطينيين الإلتحاق بالمدارس الرّسميّة، وبما أن هذه السّلطات معنية بوجود مدارس رسمية تابعة لها –ولو من باب العلاقات العامّة أمام الرّأي العامّ العالميّ-، فقد أعادت السّماح بتدريس المنهاج الأردنيّ المعدل المعمول به في بقيّة مدارس الضّفّة الغربيّة في حينه، ويجدر التّذكير أنّ حوالي 40% من الطلاب المقدسيين يدرسون حتى أيامنا هذه في مدارس خاصّة، لعدم قدرة المدارس الرّسميّة على استيعابهم. وفي بداية العام الدّراسي 2013-2014 فرض المحتلون المنهاج الاسرائيلي على خمس مدارس عربيّة، كعمليّة جسّ نبض لردود الفعل، ويواصل ذلك على بقيّة المدارس بشكل تدريجيّ، وأسرلة المنهاج الدّراسيّ يعني تربية الطلبة المقدسيّين على”القيم الصّهيونيّة ومبادئ الدّين اليهوديّ” وسلخهم عن انتمائهم القوميّ والدّينيّ.
والمحتلون الذين قاموا بتهويد الجهاز الصّحّيّ في القدس، وما تمثل من اغلاق مستشفى الهوسبيس في بداية ثمانينات القرن الماضي- وهو المستشفى الحكوميّ الوحيد في المدينة- وفرضوا قانون التّأمين الصّحّيّ، وما ترتّب على ذلك من انتشار مراكز صناديق المرضى الإسرائيليّة (الكوبات حوليم)، بحيث طغى الاسم العبريّ على ترجمته بالعربيّة، وتواصلت سياسة التّهويد الثقافيّ؛ لتشمل اطلاق أسماء عبرية على بعض الأماكن والشّوارع القدس العربيّة المحتلة، كما أنّ أسماء الشّوارع والأماكن المكتوبة على اللافتات في مداخلها تتقدّم اللغة العبرية على اللغة العربية، وهي إشارة ثقافيّة مقصودة وليست عفويّة، ويحاول الإسرائيليّون فرض مصطلحاتهم وتسمياتهم حتى على الأماكن الإسلامية المقدسة، فالمسجد الأقصى يسمّونه “جبل الهيكل” وقبّة الصّخرة”مسجد عمر” وسلوان مدينة داود، وجبل المكبر أرمون هناتسيف وهكذا، وباب العمود”شعار شخيم”وباب الخليل”شعار يافو” وهكذا.
ويجدر التّنويه هنا أنّ سلطات الاحتلال رفضت في العام 2009 عام القدس عاصمة الثّقافة العربيّة، وفي العام 2011 القدس عاصمة دائمة للثّقافة العربيّة، وفي العام 2019 القدس عاصمة الثّقافة الإسلاميّة، رفضت السّماح بأيّ نشاط ثقافيّ في القدس بهذه المناسبة، حتّى ولو كان معرضا للفنّ التّشكيلي، أو أمسية شعريّة، أو دبكة شعبيّة، أو مهرجانا خطابيّا. وهم بهذا يريدون إثبات –ولو لأنفسهم- أنّ القدس لهم، وأنّهم المسؤولون الوحيدون عنها، ولن يجري فيها غير ما يريدون ويسمحون، خصوصا بعد اعتراف إدارة الرّئيس الأمريكيّ السّابق رونالد ترامب في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وتواصل سلطات الاحتلال الإستيطان في القدس؛ ليصبح عدد الوحدات الاستيطانيّة اليهودية في المدينة حوالي سبعين ألف وحدة، في حين كانت في حزيران عام 1967 صفرا، وليزيد عدد المستوطنين اليهود على ربع مليون نسمة في حين كان عددهم في حزيران -يونيو- العام 1967 صفرا. بينما وصل عدد البناء العربيّ الى حوالي خمسة وثلاثين ألف وحدة سكنيّة، وكانت في العام 1967 اثني عشر ألف وحدة سكنيّة.
وفي أواخر آذار 1993 وقبل توقيع اتّفاقات أوسلو بستة أشهر أعلنت اسرائيل إغلاق القدس أمام أبناء شعبها من بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة في حزيران 1967وكان في ذلك رسالة سياسيّة للقيادة الفلسطينيّة بأنّ القدس للإسرائيليّين! وأنّها غير قابلة للتّفاوض، وتواصل إغلاق القدس ومنعها من التّواصل مع محيطها الفلسطيني وامتدادها العربيّ إلى أن وصل ذروته باستكمال جدار التّوسع الاسرائيليّ، الذي أحكم إغلاق المدينة بشكل كامل، فلا أحد من فلسطينيّي الأراضي المحتلة من خارج المدينة يستطيع دخولها بدون تصريح اسّرائيلي، وفقط من خلال المعابر”الحدوديّة” التي وضعتها اسرائيل على مداخل المدينة، حتى ولو كان ذلك لتأدية الصّلوات في دور العبادة مثل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
رحيل واندثار بعض المؤسسات الثقافية
لا يختلف اثنان على أنّ القدس مركز إشعاع ثقافيّ عبر تاريخها، وعمرها الذي جاوز السّتّة آلاف عام منذ بناها الملك اليبوسي العربي ملكي صادق؛ لتكون عاصمة لمملكته، فهي العاصمة السّياسيّة والدّينيّة والتّاريخيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة للشّعب الفلسطينيّ عبر التّاريخ، وهي عروس مدن بلاد الشام، ولا يتقدّم عليها في القداسة سوى مكّة المكرّمة لوجود الكعبة المشرفة فيها، والمدينة المنوّرة لوجود المسجد النّبويّ الشّريف فيها، لذا فهي مهوى أفئدة المؤمنين من كافة أصقاع الأرض، وهي من المدن التي تشدّ إليها الرّحال لوجود الأقصى الشّريف فيها، وقد أقام الفلسطينيّون مؤسّساتهم فيها في العصور المتعاقبة، فكان فيها المقرّ الرّئيس لاتّحاد الكتّاب الفلسطينيّين، والمقرّ الرّئيس لإتّحاد الصّحفيين الفلسطينيين اللذان انتقلا الى رام الله بعد قيام السّلطة الفلسطينية في العام 1994، كما أنّ مركز الواسطي للفنّ التّشكيلي أغلق أبواب مقرّه، في حين أنّ مسرح القصبة انتقل إلى رام الله أيضا، ولم تعد بعض الصّحف والمجلّات تصدر مثل مجلة الكاتب التي كان يرأس تحريرها الأديب أسعد الأسعد، ومجلة العودة التي كان يرأس تحريرها الشاعر ابراهيم القراعين، وصحف الفجر والنّهار والمنار والشّعب، ولم يعد يصدر في القدس سوى صحيفة القدس، ومجلة “غدير”للأطفال” وهي مجلة شهريّة تصدر بجهد فردي لمؤسّسها وصاحبها خليل سموم، الذي يقوم بتوزيعها على بعض المدارس في القدس ورام الله. كما أنّ الاحتلال أغلق منذ ما يزيد على العشرين عاما بيت الشّرق الذي كان يحوي مكتبة تحوي آلاف الكتب، ومركز دراسات وأبحاث.
مؤسّسات القدس الثقافية
في القدس عدد من المؤسسات الثّقافية التي تمارس نشاطات ثقافيّة على مدار السّنة منها:
– المسرح الوطني الفلسطيني-الحكواتي- سابقا:
تجري نشاطات ثقافيّة في هذا المسرح، تتراوح بين انتاج وتقديم عروض مسرحيّة، من انتاجه، أو من خلال استضافة فرق مسرحيّة لتقديم عروضها، أو عرض بعض الأفلام العربيّة أو الأجنبيّة، كما تقام فيه عدّة معارض للفنّ التّشكيليّ كلّ عام. وللمسرح طموحات لإنتاج واخراج عدد من المسرحيّات لكتاب محليّين، لكن ينقصه التّمويل لذلك.
ندوة اليوم السابع
تعقد ندوة اليوم السّابع الدّوريّة الأسبوعية جلساتها في المسرح مساء كلّ خميس منذ آذار 1991 وحتّى الآن. ومؤسّسو النّدوة هم الكتاب المقدسيّون: جميل السلحوت، ديمة جمعة السمان، ابراهيم جوهر، ربحي الشويكي ونبيل الجولاني، وجميعهم كانوا أعضاء في الهيئة الإداريّة لاتّحاد الكتّاب في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في حزيران 1967. واستحسنوا فكرة النّدوة التي طرحها جميل السلحوت بعد أن استشعر خطورة ما يخطّط للمدينة المقدّسة من حصار وعزل، مؤكّدا على ضرورة الحفاظ والاستمرار في حراك ثقافيّ عربيّ كجزء من مقوّمات الحفاظ على الهويّة الوطنيّة.
وقد باشر المؤسّسون في آذار-مارس 1991 بدعوة عشرات الكتّاب والمثقّفين المقدسيّين لعقد ندوة ثقافيّة دورية أسبوعيّة في مركز القدس للموسيقى في القدس الشريف، يتحاورون ويتبادلون في الشّأن الثّقافي المحليّ والعربيّ والعالميّ، وبعد حوالي عامين انتقلت إلى المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ-الحكواتي سابقا- ولا تزال، واستقرّ رأيهم أن يناقشوا كتابا يختارونه، وأن يحدّدوا موعدا لمناقشته، وتعطى الأولويّة في الحديث لمن كتب عن الكتاب، ثم يجري نقاش عامّ يشارك فيه من يريد من الحضور، واشتراط الكتابة هنا من أجل تشجيع الحركة النّقديّة ومحاولة تفعيلها، ومن أجل النّشر والتّوثيق في الصّحافة المحلّيّة والعربيّة والإلكترونيّة .
وقد صدر عن النّدوة حتّى الآن ثلاثة وعشرون كتابا تسجيليّا توثيقيا لما يجري في النّدوة حتى الآن.
وتتعدّى فعاليّات وجلسات النّدوة قراءة الكتب إلى حضور المسرحيّات التي تعرض في المسرح الوطنيّ، ومناقشتها مع المخرج والممثلين والكتابة عنها، وكذلك بالنسبة للأفلام السينمائية الوثائقية.
وإذا كان الهدف الرّئيس للّندوة هو تجميع الكتاب والمثقفين المقدسيين من أجل الحفاظ والنّهوض بالثّقافة العربيّة في القدس، فإنّ حضور الندوة حتى نهاية آذار -مارس- 1993، أيّ بداية اغلاق القدس ومحاصرتها وعزلها عن محيطها الفلسطينيّ وامتدادها العربيّ، لم يقتصر على المقدسيّيين فقط، حيث كان يحضرها أدباء ومثقّفون من بقية أجزاء الضّفّة الغربيّة مثل الشّاعرة الكبيرة المرحومة فدوى طوقان، والشّاعر الدّكتور المرحوم عبد اللطيف عقل، الرّوائي المرحوم عزت الغزاوي، الدكتور محمود العطشان، والدّكتور المرحوم عيسى أبو شمسية، والشاعر المرحوم عبد القادر العزة، والرّوائي احمد رفيق عوض، والشاعر المتوكل طه، والدكتور ابراهيم العلم وآخرون. وذات ندوة حضرها الأديب خالد جمعة والشّاعر عثمان حسين من قطاع غزة.
كما أنّ عددا من المبدعين الفلسطينيين في الدّاخل الفلسطينيّ حضروا الندوة، وتمّت مناقشة بعض نتاجاتهم الابداعيّة أمثال: الشّعر الكبير المرحوم سميح القاسم، الأديبة الشّابّة نسب أديب حسين ابنة الرّامة الجليليّة التي تواظب على حضور النّدوة، الشاعر القاصّ المرحوم طه محمد علي، الأديب المرحوم سلمان ناطور، أنوار سرحان، مرمر القاسم، كاملة بدارنة، وفاء عياشي، نزيه حسون، الكاتب مفيد مهنا، رياض مصاروة، راجي بطحيش،رجاء بكريّة، نبيهة راشد جبارين، عناق مواسي، علا برانسي، وآخرين.
ومن أهداف النّدوة أيضا هو الأخذ بأيدي المواهب الإبداعيّة الشّبابيّة، حيث يستمع الحضور لإبداعاتهم ويقيّمونها ويوجّهون أصحابها نحو الرّقيّ الإبداعيّ.
ومن اللافت للإنتباه أنّ النّدوة هي النّدوة الثّقافيّة الوحيدة على السّاحة الفلسطينيّة، بل على السّاحة العربيّة، المستمرّة منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث أنها مستمرّة منذ آذار-مارس- العام 1991 بشكل أسبوعيّ دوري دون انقطاع، ودون دعم من أيّ أحد، ومنذ انتش ر وباء “كورونا” تعقد النّدوة جلساتها عبر تقنيّة”زووم” ويحرص الكتّاب والمثقّفون المقدسيّون الفلسطينيّون على حضورها بدافع ذاتيّ، لإيمانهم بأنّ كلّ مشارك فيها سيستفيد بتنمية قدراته الثّقافيّة والابداعيّة.
ويكفي النّدوة أنّها تقوم بالتّعريف على النّتاجات الثّقافيّة المحليّة فور صدورها، وكثير من الأدباء يدركون أهمّيّة النّدوة في هذا المجال، وهم يقومون مشكورين بتزويد النّدوة بإصداراتهم فور صدورها، من أجل مناقشتها والكتابة عنها، كما أنّ الكثيرين من المخرجين المسرحيّين يعرضون (بروفاتهم) الأخيرة أمام روّاد النّدوة، ويستمعون إلى ملاحظاتهم وانتقاداتهم قبل أن يعرضوها أمام الجمهور، وكثير من الكتّاب والأدباء المقدسيين يعرضون إبداعاتهم على عدد من روّاد الندوة؛ ليعطوا ملاحظاتهم عليها قبل نشرها، ويعدلون ويصحّحون إبداعاتهم بناء على ذلك، وسبق للنّدوة أن ناقشت عشرات كتب الأطفال المترجمة عن الأدب الإسكندنافي، والتي وزّعتها مؤسّسة دياكونيا السّويدية على تلاميذ المدارس في فلسطين وبعض الدّول العربيّة. وتناقش النّدوة نتاجات ابداعيّة عربيّة إذا ما وصلت إلى الأراضي الفلسطينيّة. والندوة تعنى بمواهب الشّباب الابداعيّة، فتأخذ بأيديهم وتوجّههم وتستمع لهم من أجل صقل مواهبهم وتنمية إبداعاتهم. وقد انبثق عن النّدوة “دواة على السّور”، وهو نشاط شبابيّ شهريّ، أسّسته عام 2011 الشّابتان المبدعتان نسب أديب حسين ومروة السيوري، وتعقد نشاطاتها شهريّا في أماكن مختلفة، حيث يجري تجميع المواهب الشّابّة في مختلف مجالات الابداع، والاستماع اليهم وتوجيههم، والأخذ بأيديهم.
مؤسسة يبوس
تقيم هذه المؤسّسة مهرجانا موسيقيّا سنويا منذ العام 1996 وحتّى الآن، حيث تستضيف فرقا موسيقيّة وغنائيّة محليّة وعربيّة وأجنبيّة، تقدّم عروضها لعدّة أيام في موقع قبور السلاطين في القدس. كما تستضيف كتّابا محليين وعربا وأجانب في ندوات ولقاءات ثقافية. وقد افتتحت يبوس مقرها الجديد في شارع الزهراء، ويحوي أكثر من قاعة اجتماعات وندوات، بالإضافة إلى قاعة عروض مسرحية وسينمائية.
مركز القدس للموسيقى
يشرف على هذا المركز ويرعاه الفنان المقدسي مصطفي الكرد، الذي يقوم بتدريب الراغبين في تعلّم العزف على بعض الآلات الموسيقيّة، كما أنّه يقدم أغاني من انتاجه وغنائه في القدس، وغيرها من الأماكن.
فرقة صابرين
وهي فرقة غنائيّة مقدسيّة متقدّمة، تقيم احتفالات غنائيّة في القدس وغيرها من المدن الفلسطينيّة.
مسرح سنابل
يقع مقرّ هذا المسرح في الثوري، ويشرف عليه الفنّان المسرحيّ احمد أبو سلعوم، وينشط المسرح في تقديم عروض مسرحيّة للأطفال في مختلف مدارس القدس، كما أنه يقدم عروضا فنّيّة في ساحات وباحات القدس القديمة خصوصا في شهر رمضان.
متحف دار الطفل
وهو متحف شعبي متواضع يحوي مجموعة من الآثار والأدوات والأزياء الشّعبية، ويقع في قاعة خاصّة في مؤسسة دار الطفل العربي، وقد جرى ترميم بناية المتحف حيث شمل قاعات لعرض بعض موجوداته…وتم افتتاحه رسميّا في العام 2011.
مركز إسعاف النشاشيبي الثقافي
ويقع في بيت أديب العربيّة الراحل اسعاف النشاشيبي في حيّ الشيخ جراح، وهو يتبع مؤسّسة دار الطفل العربي، وفيه مكتبة عامّة وقاعات للقاءات والنّدوات الثّقافيّة، وافتتح رسميّا يوم 4- اكتوبر 2012.
مركز التّراث التابع لجامعة القدس
ومقره في حمّام العين في طريق الواد في القدس القديمة.
مؤسسة باسيا
وهي مؤسّسة دراسات ثقافية، يقف على رأسها الدكتور مهدي عبد الهادي، وصدر عنها عشرات الدّراسات بالعربيّة والإنجليزيّة.
الملتقى الفكري العربي
وهو مؤسّسة ثقافيّة تأسّست في سبعينات القرن العشرين، وصدر عنها عشرات الكتب والدّراسات.
مقهى الكتاب الثقافي
افتتح هذا المقهى في 22-11-2009 في عمارة جوردان في شارع صلاح الدين في القدس، ويشرف عليه السّيّد عماد منى صاحب المكتبة العلمية في نفس الشارع. ويهدف المقهى الى:
– أن يكون ملتقى تعارف للكتّاب والمثقّفين.
– ترويج وتسويق الكتب من خلال اتّباع الأساليب الحديثة.
– مناقشة قضايا مجتمعيّة حسّاسة تواجه المقدسيّين الفلسطينيّين بشكل خاصّ والشّعب الفلسطينيّ بشكل عامّ.
– عرض أفلام وثائقيّة، وقد جرى في احدى الأمسيات عرض فيلم”أمير القدس”عن الرّاحل فيصل الحسيني، وبعض الأفلام القصيرة والهادفة مثل:”أنا وحمام العين”و”الباص”و”في ذمة اسرائيل”و”من التاسعة الى الخامسة” تناولت المعانيات المختلفة في القدس، من جدران التّوسع الاحتلاليّ الإسرائيليّ، وحرمان العمّال الفلسطينيّين من الوصول الى أماكن عملهم، وثقافة”الغيتوهات” في المدينة المحاصرة والمعزولة عن محيطها الفلسطينيّ وامتدادها العربي،والحرب المفتوحة على مقبرة مأمن الله”ماميلا”.
نادي الصحافة
تأسّس هذا النادي الذي يقف على رأسه الصحفي محمد زحايكة أواخر عام 2005 ويهدف الى:
– التّواصل والتّكافل الاجتماعيّ وتبادل المعلومات بين الصحفيّين.
– الرّعاية الاجتماعيّة، الصّحّيّة، الثّقافيّة، التّعليمية وغيرها للصّحفيين.
– الإرتقاء بالمستوى المهنيّ للصحفيين وتبادل الخبرات بينهم.
– تشجيع الصّحفيين الشّباب والمبتدئين والأخذ بأيديهم.
– المساعدة في تأمين السّكن للصّحفيين.
نشاطات وفعاليات النادي:
– لقاء الأربعاء:وهو نشاط ثقافي شبه أسبوعي يعقد مساء كلّ أربعاء، لإلقاء الضوء على المؤسّسات والأشخاص المميّزين ثقافيّا والناشطين في مناحي الحياة المختلفة.
– الطاولة المستديرة: فعالية شهريّة يتمّ فيها استضافة شخصيّة فلسطينيّة أو أجنبيّة صاحبة قرار فى أحدى المجالات المختلفة.
– منبر اللقاءات الصّحفية:ويقوم باستضافة شخصيّات اعتباريّة مؤثّرة في المدينة المقدّسة، وذلك ضمن حقّ الجمهور في أن يعرف الحقائق.
ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى بعض المعاهد العلميّة في القدس، والتي لها أيضا دور ثقافيّ في القدس ومنها كلية هند الحسيني للآداب، وهي كليّة للبنات تقع في دار الطفل العربي، وهي من كليّات جامعة القدس، وكذلك كليّة المجتمع في الكليّة الابراهيميّة في حيّ الصّوانة.
دار الجندي للنّشر والتّوزيع
وهي دار نشر حديثة أسّسها الكاتب سمير الجندي في ايلول 2010وكانت باكورة أعمالها نشر رواية”ظلام النهار” لجميل السلحوت، وصدر عنها حوالي 500 كتاب، وقد ملأت هذه الدار فراغا كبيرا.
المراكز الثقافية الأجنبيّة
تقوم بعض المؤسّسات والمراكز الثقافية الأجنبيّة ببعض النّشاطات الثقافيّة، والأدبية منها المركز الثّقافيّ الفرنسيّ، حيث يشرف الدكتور محيي الدين عرار بعمل أمسية شعرية أو ثقافية، حيث يستضيف شاعرا أو كاتبا لقراءة بعض من انتاجه والحوار مع جمهور الحاضرين، كما أن مؤسّسة دياكونيا السويدية قامت في سنوات سابقة بتوزيع عشرات كتب الأطفال الصّادرة عن دار المنى في استوكهولم لمؤلفين من الدول الإسكندنافية، وبعض الدول الأوروبّيّة على المدارس الفلسطينيّة، وقد ناقشت ندوة اليوم السابع العشرات من هذه الكتب.
جمعية برج اللقلق
تأسّست في 10-12-1991 لحماية تسعة دونمات حاول المحتلون استيطانها، وتقع في الزّاوية الشّماليّة الشّرقيّة للقدس القديمة، وتطلّ على المسجد الأقصى.
مبادرة شباب جبل المكبر
تعريف المبادرة :
هي مبادرة شبابيّة افتتحت في بداية العام 2013 بمبادرة من شباب قرية جبل المكبر المقدسية من أجل النّهضة بالقرية بكافة الجوانب الثّقافيّة، الاجتماعيّة، التّعليميّة، الفكريّة، ومن خلال تطوير قدرات الشّباب وتعزيز العمل التّطوعيّ كأداة لتطوير المجتمع والنّهضة بالثّقافة التي تعدّ أساسا لتنمية المجتمع.
وقد نظّمت في 16-3-2014 أطول سلسلة قارئة حول سور القدس، والذي اعتبر أكبر حدث ثقافي تشهده القدس والأراضي الفلسطينية.
فكرة المبادرة: انطلاقا من أهمية الشباب للأمة وضرورة العناية بهم ورعايتهم وحمايتهم من مخاطر الفراغ وحفظ سلوكياتهم من الإنحراف، من هنا ترسم مبادرة شباب البلد خطواتها نحو بناء جيل واعٍ مثقف متعلم قادر على إكمال المسيرة الوطنية وتحصين الشباب وفتح الآفاق وتمكينهم وتأهيلهم للحفاظ على ثقافتهم، وهويتهم العربية، وأن يمارسوا دورهم المطلوب تجاه المجتمع سواء على مستوى تلبية الاحتياجات أو حتى رسم مستقبل أفضل .
أهداف المبادرة:
1. المساهمة في تنمية شخصيّات الشّباب وذلك للنهوض بمستواهم الفكري والاجتماعي.
2. صقل شخصيّات الشّباب.
3. تعزيز القيم الاجتماعيّة كالتّعاون والعمل الجماعيّ وغيرها…
4. تفعيل الأنشطة الثّقافيّة والعلميّة والاجتماعيّة والكشفيّة …إلخ، لبناء قدرات الشّباب . ترسيخ روح التّطوع في نفوس شباب البلدة
5. الارتقاء بمنطقة جبل المكبر من خلال إحياء مناسبات ثقافيّة اجتماعيّة رياضيّة في البلدة.
6. . توثيق العلاقة بين مؤسّسات البلدة والتّشبيك بينها.
7-خلق إطار طلابي داخل بلدة جبل المكبر.
رؤية المبادرة: تسعى المبادرة وبكل الإمكانيات المتاحة لبناء شباب واعٍ مثقف ومتعلم في قرية جبل المكبر، وشباب متطوّع لإحياء المناسبات الثّقافيّة والاجتماعيّة من أجل النهوض بمجتمعهم.
نشاطات المبادرة، أنشأت المبادرة مكتبة عامة في جبل المكبر تحتوي على ثمانية آلاف كتاب، وتنمو بشكل مستمر، كما تقوم المبادرة بتقديم نشاطات لامنهجية لطالبات وطلاب مدارس البلدة، وهناك برنامج لتعليم الحاسوب لمختلف الأعمار، كما ابتدعت النّدوة نشاطا شهريّا أسمته”التّعليلة الساحورية” حيث يقومون بتعليلة شهريّة في بيت أحد الشّخصيّات البارزة مثل الكتّاب والأسرى المحرّرين والنّاشطات والنّاشطين في المجالات المختلفة.
كُتّاب القدس
في القدس عشرات الأدباء من قاصّين، وروائيّين وشعراء، ونقاد، وكتاب مسرح منهم على سبيل المثال لا الحصر: الأديب الكبير محمود شقير، جميل السلحوت، فوزي البكري، ديمة جمعة السمان، أسعد الأسعد، الدّكتور عزالدين أبو ميزر، محمد عمر يوسف القراعين، مزين برقان، ابراهيم قراعين، ابراهيم جوهر، حليمة جوهر، ربحي الشويكي، عزام أبو السعود، عيسى القواسمي، عبدالله دعيس، سمير الجندي، سامي الجندي، لؤي زعيتر، نزهة أبو غوش، رفيقة عثمان، كاميليا عرّاف بدر، د. معتز القطب، نعيم عليان، عرين خليل، هدى عثمان، نزهة الرّملاوي، مهنّد الصباح، نبيل الجولاني، رفعت زيتون، د.عزالدين أبو ميزر، بكر زواهرة، داود ابراهيم هالي،يوسف حامد، مروة السيوري، د. وائل أبو عرفة، محمد عليان وآخرون.
وفي القدس مئات المثقفين والباحثين الذين كتبوا في مجالات مختلفة.
سرقة الثّقافة والتّاريخ
لم يكتف المحتلّون بالسّيطرة العسكريّة على الأرض واستيطانها، بل تعدّوها إلى سرقة الثّقافة والتّاريخ، واستعملوا أساليب مختلفة في سبيل تحقيق أهدافهم، ومن خلال محاولاتهم لفرض ثقافتهم على المواطنين الفلسطينيّين، إلا أنّه يستحيل عليهم أن ينتصروا ثقافيّا، فنحن ورثة الحضارة العربيّة العريقة التي لا يمكن أن تهزم أمام ثقافة القوّة.
وإذا استطاعوا تضليل العالم لعدّة عقود بسيطرتهم على وسائل الإعلام العالميّة، وبدعم لا محدود من قوى عظمى وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، فإنّهم لن يستطيعوا ذلك بشكل دائم.
وسيسجّل التّاريخ أنّ الحركة الصّهيونيّة قد خدعت العالم جميعه باستثناء الشّعب الفلسطينيّ، الذي تصدّى لها منذ البدايات وحتّى يومنا هذا، رغم مئات آلاف الضّحايا والجرحى الذين قدّموا أرواحهم دفاعا عن وطنهم وعن شعبهم وعن شرف أمّتهم. ويحضرني في هذا المجال اجتماع جرى في العام 2001 دعا إليه الرّئيس الرّاحل ياسر عرفات، وحضره حوالي مئة شخص من الأدباء والأكّاديميّين والصّحفيّين، تحدّث فيه السّيّد ياسر عبدربّه وهو جالس على يسار الرّئيس عن سياسة السّلطة في الإنتفاضة الثّانية، فالتفت الشّاعر الرّاحل محمود درويش إلى السّيّد الرّئيس وهو جالس إلى يمينه وقال:” أنا لم أعد إلّا إلى المتاح من الوطن، وعودتي ناقصة ما لم أعد إلى قريتي البروة قضاء عكّا، وفلسطين التّاريخيّة وطني الفلسطينيّ بغض النّظر عن الدّول القائمة عليها، وأضاف بلهجة ساخرة” وأنا هنا لا أخرق اتّفاقات أوسلو العظيمة يا أخ أبو عمّار.