العلم معجزة هذا الدين العظيم

د. أحمد الطباخ| مصر
كانت البشرية قبل البعثة المحمدية تعيش في جهل مطبق، وظلمات محكمة أحكمت عليها من كل صوب حتى غيبت عقولها عن الفكاك، والخروج إلى سماوات من التفكر والتدبر، وظل الأمر على هذا الحال حتى جاء هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم فحررها مما هي فيه من جهل عظيم، وهو النبي الأمي الذي لم يتعلم في مدرسة أو جامعة، بل لم يخرج من المحيط الذي تربى فيه، وهنا السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: من ألهم الأمي رسالة تفخر العقول الذكية بالفقه فيها، وتؤلف في شرح دقائقها وبيان وجوه حكمتها وغرائب أسرارها مكتبات فيها ألوف من الرسائل والمجلدات كما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله .
وأنت عندما تنظر إلى ما أفرزته هذه الرسالة العظيمة من ثمرات، وما جلبته من خيرات على بشرية كانت ضائعة وشاردة وجاهلة من تلك العلوم تجد نفسك أمام معجزة عظيمة جاء بها هذا الدين العظيم؛ ليكون شاهدا على صدق من جاء به، إذ العلوم التي انبثقت من الاسلام ليس لها نظير في دين آخر على الاطلاق، فعلوم القران من قراءات وتفسير وعلوم فقه، وعلوم للتوحيد والحديث وعلوم في اللغة العربية وآدابها وفنونها تجدها كتب ومكتبات لا تزال مدائن العالم الكبرى تقتنيها، وتحرص عليها ، وكما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله: تتضافر كلها على ..خدمة الرسالة التي بعث بها النبي الأمي الذي لم يدخل مدرسة، ولم يجلس إلى أستاذ في جامعة، ولكنه هو الذي شاد دور العلم، ووضع حجر الأساس في الجامعات بما خلف من ثروة عقلية تطلع مع الشمس، وتبقى على الآباد، وكما قال رب العالمين في كتابه الكريم:”وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لأرتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا الا الظالمون” .
إن المنهج العلمي الذي سلكته العلوم قاطبة بعد مجيء الأسلام إنما أخذته من منهج الصحابة في طريقة جمعهم للقرآن، وكتابتهم لآياته الكريمة من جمع قام على الأمانة العلمية التي كان عليها من جمع ورتب وكتب ودون بمنهج أرسى قواعد العلوم ، وجعل لها أصلا ثابتا انبثقت منه بعد ذلك كل علوم الدين والدنيا، فالقرآن هو الذي حرك هذه العقول الجامدة، وأيقظها من سباتها، وحررها من أغلالها، وكان الخلفاء يهتمون بالعلم والعلماء، وكان شعارهم الذي أخذوه من دينهم: اطلبوا العلم ولو في الصين، وكان رائدهم في ذلك كله الحديث النبوي القائل: الحكمة ضالة المؤمن يأخذها ممن سمعها ، ولا يبالي من أي وعاء خرجت ، ولهذا اهتم المسلمون بعلوم الدين ثم ولوا وجههم بعد ذلك إلى علوم الرياضة والفلك والطب، بل كان الخلفاء يفرضون العلم على أولادهم واخوانهم ومماليكهم وجواريهم، وكانوا يعلمون الجواري، ويثقفونهن، ويحفظونهن القران والاشعار والاخبار، ويعلمونهن النحو والعروض والغتاء، ثم يتهادونهن، وقد كان عند زبيدة أم الأمين مائة جارية يحفظن القرآن، وكان يسمع من قصرها دوي كدوي النحل من القراءة .
إن أمتنا عندما تخلت عن جوهر دينها، وابتعدت عن تعاليمه، وانشغلت بسياسة لم تجن من ورائها سوى الخسران والضياع والتشتت والتفرق والتناحر أصابها ما نرى ولا عودة إلى أمجادها إلا بالتعليم والبحث العلمي المنبثق من النورين: كتاب الله وسنة نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم فهل إلى ذلك من سبيل؟! .



