القاموس اللغوي في ديوان “ما يشبه الحنين” لـ”ماجد أبو غوش”

رائد محمد الحواري | فلسطين

لكل شاعر/كاتب قاموسه اللغوي، وله أسلوبه في التقديم “ماجد أبو غوش” يعيد انتاجه الأدبي في ديوان “ما يشبه الحنين” حتى يبدو وكأنه يتغنى بما قدمه في الإعمال السابقة، فهناك تكرر ألفاظ وعناوين “ذئب/قلب الذئب، نبيذ، الملكة/عسل الملكات” فلو فرغنا ألفاظ القصائد سنجد غالبيتها يستخدم لفظ “الذئب/الملكة، النبيذ” إضافة إلى “الحب، وحيفا، البحر” حتى يبدو وكأن الشاعر أسير لهذه الألفاظ، بحيث نجده الديوان بمجمله يحوم حول هذه الألفاظ.
وهنا نطرح سؤال، ما الدافع/السبب وراء هذا الاستخدام؟، وهل هناك جمالية أدبية تم إضافتها؟، سنحاول الإجابة من خلال لاعتماد على نماذج مما جاء في الديوان، يقول في “نصوص”:
“(2)
لا تصدقوا الصيادين
وقطاع الطرق
والصحف الرسمية
الملكة أرضعت الذئب
عسلا” ص10، من قرأ للشاعر يعلم جيدا أنه المقصود بالذئب، والملكة هي الحبيبة، وهذا ينسجم تماما مع عناوين روايته “قلب الذئب، وعسل الملكات” والجميل في هذه المقطع أنه صادم/مدهش للمتلقي، ففي البداية هناك طرح واقعي/عادي “لا تصدقوا” لكنه الدهشة كانت في “الملكة أرضعت الذئب” وهذا يستوقف القارئ، المزج بين الواقع والخيال. وإذا أخذنا بقية المقاطع سنجدها تتناول الحب/الحبيبة:
“(9)
كنت أظن
أني قد تذوقت
كل أصناف النبيذ
إلى أن
قضمت شفتاك
فمي” ص13و14، رغم بساطة اللغة وعادية الألفاظ، إلا أن مزج النبيذ بطعم الشفتين مدهش ومثير للمتلقي، فالجمالية تكمن في اعطاء الحبيبة بعدا ثنائيا من خلال “الشفتين” وهذا يعني أنها استطاعت بثنائيتها أن تتغلب على الكثرة في “كل أصناف النبيذ”، وأن تكون متميزة بحركة بسيطة “قضمت شفتيك فمي” فالأفعال الكثيرة التي لازمت الشاعر وهو يتذوق أصناف النبيذ، والتي جعلته يقنع أنه (عالم) بالأصناف، تبين أنه (جاهل) وبحاجة إلى معرفة أخرى جديدة، بعد حركة واحدة من شفتي الحبيبة، فكيف سيكون عليه الحال بعد أن تقوم بحركات أخرى!!.
(17)
كما يفعل النهر
كلما مر من القرى الفقيرة
يفيض ماء وسمكا
هكذا أنا
كلما مررت بي
تفيضين حبا وعسلا” ص18، اللافت أن الشاعر أعطى نفسه صفة الإخذ، وأعطى الحبيبة صفة العطاء، وهذا يشير إلى قوة الحبيبة (وضعف) الشاعر، والجميل في المقطع أنه أعطى الماديات للقرى “ماء وسمكا” وأعطى روحانيات للشاعر “حبا”، وإذا علمنا أن النهر يعطي متطلبات الحياة المادية “ماء وسمكا” فإن الحبيبة أعطت ذروة الغذاء المادي “عسلا” والغذاء الروحي “حبا” وبهذا تكون متفوقة على “النهر” الذي لا يعطي إلا ما هو مادي فقط.
“(26)
أعطني كفك
لقد غرفت لك موجة
من بحر يافا” ص23، نلاحظ أن اللغة سهلة وعادية، لكن تركيبة المشهد ممتعة، فهناك بحر وموج ويافا وحبيبان، فالشاعر جمع في عنصرين للفرح، المرأة/الرجل والطبيعية، وأحدث دهشة بحركة الكلف التي ربطها بالمكان “بحر يافا” وهذا ما يجعل الحب يتجاوز الحب المجرد/العادي إلى الحب الوطني، فالشاعر مرر فكرة وطنية من خلال حديثه عن الحب، وهذا يشير إلى قدرته الفنية على تركيب الصور، وعلى البعد الوطني الذي يحمله الشاعر والذي يظهر من خلال تركيزه على المكان “يافا”. كما أخذت الشاعر من الحبيبة الحب والعسل، فإنه يعطيها الكثير، يقول في قصيدة “وعود”:
“سأصير غيمة
وامطر قلبك
بالنبيذ
سأصير حلما
وأزين نومك
بالحنين
سأصير نايا
وأجلب إلى نافذتك
هواء الحقول
سأصير ذئبا
وأصداد لك
القمر” ص113، نلاحظ أن هناك (تغريب) لما سيعطيه الشاعر، فمن المفترض أن تعطي الغيمة لماء، لكنه يقوم بفعل السيد المسيح حينما حول الماء إلى خمر في قانا الجليل، كما يستوقفنا اختيار الشاعر ل “قلبك” دون بقية الجسد، وكأنه يشير إلى العضو الأهم في الجسم “القلب الذي له مدلول مادي وروحي معا، وهذا يتوافق مع “النبيذ” الذي يروي من العطش المادي، ويمنح الشارب لذة روحية للتمتع بمذاقه، وهنا يكون النبيذ والقلب لهما مدلولان، مادي وروحي.
أما الوعد الثاني والمتعلق بالحلم، فكان يفترض أن يكون حلم جميل، فيه نهاية سعيدة، مكتملة، لكن أن الشاعر يحوله إلى حالة مستديمة، “حنين” لا ينتهي، فهو يريد علاقة دائمة بينهما، وتجاذب لا ينتهي؟
الوعد الثالث، كان يفترض أن يكون متعلق بالموسيقى والغناء، لكنه (يغربه) إلى “هواء الحقول” وهذا يستدعي التوقف، فهل هواء الحقول أهم من الغناء/الموسيقى؟، إذا عدنا إلى فاتحة القصيدة نجد الشاعر ينحاز إلى الفضاء/الطبيعية، عندما تحدث عن الغيمة والمطر، وقد أكد على هذا الأمر من خلال تناوله للحقول، وعندما أكمل الوعد الأخير “ذئبا يصطاد القمر” فالذئب عيش في الطبيعة/البرية، والقمر جزء من الطبيعة، بهذا يكون طرح الشاعر متوافق مع توجهه نحو الطبيعة، وما حديثه الحلم/النوم والنافذة والنبيذ إلا من باب الاستراحة، فهو يتعامل مع البيت/المكان للنوم، ولأخذ ما يحتاجه الجسم من الراحة، ليعود من جديد إلى البرية/الطبيعة.
وهنا نعود إلى بداية المداخلة، “الذئب والعسل والملكة/الحبيبة، البحر، يافا” فكلها طبيعية/برية، فالعسل لا يكونه النحل إلا في الطبيعية، والنبيذ لا يأتي إلا من الكروم، والذئب لا يعيش إلا حرا في الطبيعية، والبحر ويافا جزء من الطبيعية، والشاعر الحبيبة أوجدا هذه القصيدة وهما في هذه لأجواء، فالفضل للطبيعة التي أمتعت الشاعر والحبيبة، وأمتعنا نحن القارئ بهذا الديوان.

الديوان من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، الطبعة الأولى 2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى