في مفهومِ الوَحدةِ

تكتُبُها: إيناس أصفري

في الوَحدةِ، ترى ما حولكَ بطريقةٍ لم تعهدها قَط. فجأةً تتحوَّلُ الأشياءُ، ما يحيطُ بك منها، يُمسي بشكلٍ أو بآخر صديقًا لك، تتساءلُ: كيف لم انتبه للكرسي يُراقبني، يَشعُرُني، يتعاطفُ معي، فيحتويني، ويطبطبُ على حزني؟ مثلُهُ أيضًا الطاولة، والحائط، السّتارة وعلبةُ المناديل الورقية، السريرُ والسّجادة، كوبُ الشّاي وكلُّ ما قد يجولُ في ذهنِكَ الآن من أشياء، فكِّر… ترى بأنها جميعًا تحتويكَ في ألمِك، ووحدتِك. تبدو الطاولةُ مستقرًا لأناملك حين تحارُ أين تضعها دونَ أن تكونَ عبئًا على أحد ، تُلقي رأسَك المتعبَ بنكساتِه عليهِ، فيحمِلَهما معًا أيُّ حائطٍ شئتَ، تُخفي دمعَك الستارةُ، وتمتصُّها المناديل، وعندما تعجزُ قدميكَ عن حملِ ثِقلك، ترتمي في حُضنِ السّرير، تكونُ فيه بطلًا إذ تعتليهِ، في حين أنك تُسلِّم ساعاتٍ مصيرَكَ لِمن يعتليهِ، ولما تضيقُ المساحةُ عن همّكَ، تستقبلُك السّجادةُ برحابةِ دفئها، كما كوبُ الشاي يدفئُ قلبَك البارد، حتّى أنّ ثلَّاجتكَ تنأى عنكَ، إحساسًا منها بأنّك في مثلِ هذه الساعة لا تحتاجُ أكثرَ من هكذا ثقلٍ ، فتترُكك لحين شهوتِك من بعدِ التَّخفُّفِ …
تحاولُ أن تُوهمَ نفسك بأنَّك وحيد، لكن في حقيقةِ الأمرِ أنتَ لستَ كذلك، والسببُ أنَّ عينيكَ كانتا تقودانِك لرؤيةٍ خاطئة، هي أنَّك من غيرِ أشخاصٍ، وعيناك يا صديقي ضيِّقتا الأفق، تحصِرُ الوجود بالناسِ، في حينِ أنّك تكونُ وحيدًا بينهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى