حكايا من القرايا.. بصل الحاكورة

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

أيقظها من نومها، كان الصباح قد شق نوره وتنفس، أعلمها أن عجينها قد فار من اللجن، وأنهما تأخرا عن رحلتهما إلى المدينة… على عجل نهضت من نومها، توضأت وصلت، وانطلقت بلجن العجين (المبشبش) إلى طابونها تخبزه… والأولاد نيام… أشعل البريموس لغلي الشاي، رجعت من الطابون بأرغفة مقمّرة… وصاحت بأولادها: قوموا يا كسالى، قوموا طلعت الشمس… بلاش تتأخروا عن المدرسة… نهض محمود، وأحمد، ونهلة بتثاقل… جهزت لهم الزيت والزعتر وقطعاً من الجبن، ودعتهم إلى الفطور… وناولت أبا محمود قطعة جبن ليأكلها، لكنه رفض كسر الصفرا، وبرر ذلك بأنه سيفطر في المدينة هذا الصباح، سيكون على موعد مع المدمّس، والمدقوقة مع خبز القماج…
ركبت أم محمود الحمار، ومشى خلفها أبو محمود، وما أن وصلا الشارع العام، حتى ربطاه في شجرة المشمش الكبيرة يرتع بين الأعشاب… ووقفا على الرصيف ينتظران الباص…
عند الوصول، انزعجت أم محمود، أصوات السيارات تزمجر، وأصوات الباعة تتقاطع مع بعضها بعضاً… وشوارع عريضة، مزدحمة الأرصفة، وإذا قطعها الماشي سمعت سيارات الأمة تزمّر… لكنها انبهرت بما رأت… دكاكين كبيرة فيها ما تحتاج، ومحلات واجهاتها الأمامية من زجاج، وأسواق مسقوفة… وعربات كأنها دكاكين متنقلة… عليها ما لذّ وطاب، ورائحة االفاكهة، ومشاوي المطاعم، يأنس لها الشم… دخلا محل قماش، واشترت منه خمسة أذرع من مزاريب الذهب، وعصبة خضراء، وساومت على سعر الزنانير، ولم تتفق مع البائع… المحل الثاني الذي دخلاه، ورحب بهما صاحبه، كان للأحذية… تناول أبو محمود ثلاثة خيطان قنّب وناولهما لصاحب المحل، إنهما مقاسات أرجل أولاده، مع زيادة قليلة في الطول، واختلاف في خيط نهلة… أبو محمود يحب الكندرة البرحة… ناولهما البائع ما طلبا، واختلفا باللون والسعر… ثم اتفقا على اللون، وفي السعر قسما العرب عربين واتفقا… سألها: أم محمود، مداسك صار نص عمر، شو رايك بواحد جديد؟ رفضت الحزينة رفضاً قاطعاً… فهي مقتصدة المصروف، وعارفة البير وغطاه… كسدرا في الشارع، ثم هبطا من شارع فرعي إلى آخر، ودخلا محل قماش، وتناولت أم محمود من الكيس، سروالين وقميص، حتى تشتري على المقاس… لكن لم تعجبها البضاعة… وتنهدت… ما بك؟ سأل أبو محمود، أجابت بضيق: المحل في القطان الثاني اللي فوق، عنده أواعي ما في منها… أي قطان؟ وأي تلزيقة يا حجة؟ مالك؟ إنت في المدينة مش في العمارة…وأدرك أنها تعني الشارع العلوي، وعادا إلى الشارع العلوي، وتناولا الملابس من محل فيه… وتابعا جولتهما في السوق بين المحلات… وفجأة، قال: حجة أنا عصافير بطني بتزقزق، جعت… بدنا نفطر، شو بدك تفطري… أجابت بتردد: أنداري، والله ماني عارفة… شو بدك موجود يا حجة، خير الله، خللينا اليوم نتمدن وندلل حالنا شوي… وتابعا المشي، وألح في السؤال: بدنا نوكل… شو بدك يا أم محمود… نظرت أمامها إلى دكان خضار، ورأت أشكالاً من الخضار منوعة… ورأت حزماً من البصل الأخضر مربوطة ومنديّة… فقالت بلا تردد، والله نفسي معلقة بهالبصل الأخضر… ودون تردد، وبصوت مسموع قال: قلعاط اللي يكتّك، والله للسلقاط اللي يكتت مصارينك، ولْ الحواكير عنا معبية بصل، وفطورنا وغدانا بصل ببصل، وريحته معبيه دورنا… وهون بدك بصل… ولْ… ولْ… ورثى لحالها، وأدخلها مطعم كببجي، عقّاد صغير يشوي فيه صاحبه ما تيسر من لحوم وشحوم… وليّة… أكلا… وشبعا… وحمدت الله، وقالت: والله اليوم أكلت شهوة خاطري… الله يخللي لي إياك تاج فوق راسي يا جملي يا أبو محمود… أكلا… وحمدا الله… وحملا ما اشترياه، وركبا الباص، ووجدا الحمار ينتظرهما تحت المشمشة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى