موج يوسف وحوار النقد للنقد
محمد الكعبي | شاعر وناقد
في معرض وصفه للناقدة والأكاديمية العراقية موج يوسف التي حاورته في ندوة ثقافية مهمة من احدى المنصات الثقافية وبثت على “اليوتيوب”، قال الناقد الكبير عبد الله الغذامي مايلي:
حضوركِ بالنسبة لي، إني أرى امتداد الزمن أمامي، عادة عندنا إحساس بالماضي ومجده وقوته، وهذا حقّ، لكنّ حينما نرى جيلاً شاباً يأتي ويتدفق، فهذا شعور امتداد الزمن، قد تكون الثقافة العربية تقبلت المرأة شاعرةً ، لكن يصعب عليها أن تراها ناقدة.
الى هنا ينتهي كلام الغذامي، والسؤال هو، هل يحمل هذا القول شيئا من الاسفاف والمحاباة التي اعتادت عليها تداولاتنا الثقافية، أم هو قول ذو مغزى يعبر بعمق عن رؤية دقيقة صدرت عن ناقد وكاتب اثرى الفكر العربي بدراساته المهمة؟، وان كان كذلك فما هو المسوغ لهذا التوصيف؟
لن يستغرق الامر وقتا طويلا في التأمل والوصول الى كنه قول الغذامي بحق الناقدة، لأنه ليس من الصعب ان يهتدي للصواب كل من تابع الندوة او قرأ الحوار الذي اجرته الناقدة موج يوسف، والذي انفتح على افاق بعيدة المدى وعلى مقابسات مهمة لناقد كبير لا تعد محاورته بالأمر الهين، وليس من السهولة الامساك به وفتح شهيته للحديث.
ثمة ما يستوقف في هذه الندوة التي أجرتها ناقدة مع ناقد، بمعنى ان الندوة كانت حوار النقد مع النقد، واستعرضت قضايا لها صلة بتراث الثقافة العربية وابرز مؤشراتها كما يراها النقاد انفسهم، وكما يبدو واضحا فان ثمة خصيصة أخرى امتازت بها الندوة، وهي ان الناقدة انثى قرأت المنجز الانثوي العربي وقرأت الغذامي واشتغلت على فهمه للغة المرأة، وهذه النقطة بالطبع تعد واحدة من إشكاليات الوعي في الثقافة العربية عامة والادب النسوي خاصة، لأنها تتعلق بوعي الذات ووعي الاخر ووعي المنجز في الخطاب الثقافي، وجميع هذه المشركات تتمحور في اللغة، وهو ما طرحته الناقدة ضمن محاور الندوة بشكل يدلل على قراءة مفكرة لما كتبه الغذامي بهذا الخصوص.
المحاور بمجموعها عكست وعي شابة أكاديمية غاصت في تفاصيل المشهد الشعري والأدبي عامة، وهضمت تجربة نقدية عسيرة لشخصية استثنائية مثل الغذامي المعروف بدقة ووضوح اطروحاته.
اسئلة من قبيل، لمَ الغذامي يتهم الثقافة العربية بالاحتفاء بالجبروت ومباركة الكذب، ومدى ثبات او تسلل الانساق الثقافية العربية القديمة إلى عصرنا الحاضر، لا من ناحية الشعر وحسب، بل مجمل الخطاب الثقافي، وسر هوس الثقافة العربية بالجمال إلى درجة تحسين القبيح وتقبيح الحسن، ومناقشتها كتاب الغذامي الموسوم المرأة واللغة ، وسبب عدم وعي المرأة بلغتها، ومتى يتغير وضعها اللغوي؟
مثل هذه المحاور تعي من جهة اشتغالات الثقافة العربية وقوتها وفتورها وتؤشر مواطن الخلل والقصور في تراث الثقافة العربية وحتى وقتنا الراهن، ومن جهة أخرى تشكل قراءة أخرى لوعي الغذامي في مجال لغة المرأة .
ويمكن عبر سياق الحوار استنباط قدرة اللغة غير الشعرية وغير الرعوية على تشكيل وعي مكثف بالذات، بدليل اختيار الناقد للخطاب النثري دون الشعر في كتابه، وهو ما شخصته الناقدة موج يوسف بدقة في هذه المحاورة الشيقة التي شكلت إجابات الغذامي عنها اضاءات ساطعة للمشهد الثقافي.
الندوة التي ادارتها النقادة العراقية، لم تنطلق من فراغ وتسقط في فراغ، بل ازالت الغموض والتشابك بين الشعري والنثري ووعي اللغة ليس باعتبارها أداة من أدوات التوصيل كما قد يعتقد البعض، بل بوصفها إدراكا معرفيا “للذاتانية”، ووعيا للتراث العربي عبر الخطاب الادبي الذي يشكل تاريخا اكثر عمقا من التاريخ المدّون.