أيها العالم
خالد جمعة | فلسطين
إنهم يقتلوننا، هكذا ببساطة يفعلون ما يحلو لهم، وأحياناً، يقتلوننا للتسلية… سكوتُك مفهوم، فأنت لست أماً للشهداء كي تفهم معنى الحسرة، ولست ابناً لهم كي تعرف ما يعنيه اليتم، ولا أحد منهم ضمن أصدقائك كي تحس بالوحدة، لا يهم، إنها فضفضة لا أكثر، فلا تكترث، كما تفعل دائماً حين نموت في ظروف لم تكن يوماً طبيعية.
مجرد رسالة من طفل يرى ولا يفهم ما يرى، يشاهد أفلاماً فيها أطفال سعيدون، ربما يتذمرون من طريق المدرسة، أو من تنمر زملاء أكبر منهم حجماً، لكن هذا كل ما في الأمر، لذا تدهشه الأحداث التي تجري جواره، كأنه في كابوس لا دخل له فيه، فهو للآن، في هذا العمر الغض، لا يفهم ما تعنيه كلمة احتلال، لكنه يعرف على وجه اليقين أنه ليس شيئاً جميلا مطلقاً.
إنهم يقتلوننا، جملة وفرادى، على حدود الأودية، وفي غرف النوم، يقتلوننا في شعاب الجبال وفي طريق المدرسة، في أحضان أمهاتنا، ومن وراء أكتاف آبائنا، يقتلوننا عائلاتٍ وجيراناً، أحياءً وحارات، بكل شكل ممكن يقتلوننا.
أعرف أنك سكتّ عن مذابح الهنود وحضاراتهم في غرب العالم، وصمت لسانك عن مذابح السود في أفريقيا، ومذابح السكان الأصليين في أستراليا، وخرست حين شاهدت العبيد يساقون إلى ثلاجات رؤوس الأموال كفاكهة غير ناضجة، لكني أعرف أنك تحركت حين مست يد شعر ولدٍ في كوسوفو، وحين نظر قائد عسكري بغضب ألماني إلى طفل في معسكر اعتقال، هذا يعني أنك تستطيع الغضب، وتستطيع المقاضاة، لكن هذا الأمر لا يعنينا الآن فيما هم يقتلوننا.
ربما بعد عشرات السنوات، ستخرج من غيبوبة المال إلى حقل الإنسانية الواسع، وتبدأ بالبكاء على القتلى، وتعد لهم جنازات ومقابر تليق بالملوك، أتعرف؟ لن يكون الشهداء معنيين بهذا، فهم كانوا يحبون الحياة، وكان همهم أن يعيشوا حاملين كرامتهم بين أعينهم، بالضبط حيث أخذت الرصاصة حقهم في الحياة، لن يعنيهم بكاؤك بعد كل تلك السنين التي ستأتي، فهم يقتلون الآن، ويحتاجون الآن الآن لمن يقول للرصاص الهزلي: توقف، فحياة إنسان ليست ملكك.
إنهم يقتلوننا بكل شكل ممكن، فأينما توجهنا، اصطدمنا بسلك شائك، يحيط بمستوطنة شائكة، يسكنها مستوطنون شائكون، يراقبون سجناً شائكاً، ويأكلون أرضاً جديدةً كلما شعروا بتهديد سرب من النمل لحيطانهم التاريخية التي تملأ أرواحهم.
هذا ليس بلاغاً عن القتلة، فأنت تعرفهم واحدا واحدا، وهذه ليست شكوى، فقد عرفناك وعرفنا أن الشكوى لك ما هي إلا صرخة في الفراغ، إنما هو إقرار واقع حال لتعرف الضحية أن هناك من يعرف اسمها.
أيها العالم: إنهم يقتلوننا باسمك، بأسلحتك، بقرارك، بغمزة عينك التي تعني “حسناً”… ونحن نرى ذلك على رأي عباس بيضون “بصمتٍ بصمتٍ بصمتٍ بصمتْ”.