ماذا تعرف عن ” مناعة القطيع “؟ وهل يمكنها إيقاف كورونا؟

أ. د . فيصل رضوان | أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية – جامعة سوهاج مصر – المعهد القومي للمحيطات الولايات المتحدة الأمريكية

النظرية تقول: إنه بمجرد تفشى فيروس كورونا المستجدة المعروف بكوفيد 19 فى عدد كافٍ من البشر، فسوف يتوقف إنتشار الفيروس ذاتيًا. ولكن التكاليف ستكون باهظة. وهناك ثلاث خيارات أساسية لإيقاف مرض كوفيد 19 من الإنتشار.

يتضمن الخيار الأول قيودًا غير عادية على حرية الحركة والتباعد الاجتماعي، فضلاً عن إجراء الاختبارات بشكل واسع، لملاحقة الفيروس وإيقاف انتقاله بين الأفراد. وقد يكون هذا أمراً مستحيلًا عمليًا الآن فى ظل المقاومة والاستهتار وعدم الإلتزام.

أما الخيار الثاني وهو يعتمد على إيجاد لقاح يمكن أن يحمي الجميع، لكننا مازلنا بحاجة إلى وقت طويل حتى يكون اللقاح متاحًا للجميع حول العالم

وأخيرا الخيار الثالث وقد يكون فعالًا ولكنه مروع: حيث يتوجّب علينا الانتظار حتى يتفشى المرض بشكل كبير بين الناس، وفي نهاية المطاف فإن الذين “نجوا بحياتهم” يصبحون محصنين. وعندما يكون عدد كاف من السكان مقاومًا للفيروس، يتوقف انتشار الفيروس ويختفي من تلقاء نفسه بشكل طبيعي، لأنه يجد صعوبة في العثور على شخص مضيف عرضة للإصابة، أو عدد كاف من الأشخاص قادرين على نقله، وبالتالي، فإن “القطيع” محصن، على الرغم من أن العديد من الأفراد لا يزالون غير محصنين. هذه الظاهرة تعرف باسم ” مناعة القطيع” .

بيد أن الانتشار الواسع الذي لا يمكن إيقافه لكورونا، يمثل أسوأ السيناريوهات التي صممها الخبراء، والتى يمكن أن تنتهي بإصابة حوالي 60٪ من السكان وهى النقطة الحرجة التى ربما تبدأ منها ظهور بوادر مناعة القطيع لهذا الفيروس، كما اتفق أغلب علماء الأوبئة.

وفي نموذج بسيط لتفشي المرض، يفترض أن تصيب كل حالة حالتين أخريين، فى تضاعف يخلق زيادة هائلة في المرض. ولكن بمجرد أن يصبح نصف السكان محصنين ، لم يعد حجم التفشي يتزايد وينحسر المرض. ومثال ذلك فيروس زيكا، وهو مرض ينقله البعوض وتسبب في ذعر وبائي كبير في عام 2015 بسبب ارتباطه بتشوهات الولادة. بعد ذلك بعامين، أى في عام 2017م، لم يعد هناك الكثير مما يدعو للقلق.

وجدت دراسة برازيلية من خلال فحص عينات الدم أن 63 ٪ من السكان في مدينة سلفادور الشمالية الشرقية قد تعرضوا بالفعل لفيروس “زيكا”. وتكهن الباحثون بأن مناعة القطيع قد كسرت هذا التفشي.

واللقاحات تخلق مناعة القطيع أيضًا، إما عند إعطائها على نطاق واسع أو في بعض الأحيان عند تناولها في “حلقة” حول حالة جديدة من العدوى النادرة. هذه هي الطريقة التي تم بها القضاء على أمراض مثل الجدري، والآن فى الطريق إلى القضاء على شلل الأطفال.

هناك العديد من الجهود الآن لصناعة اللقاح لهذا الفيروس التاجي ، لكنه قد لا يكون جاهزًا قبل عام أو أكثر. حتى ذلك الحين ، يمكن أن يجد صانعو اللقاح أنفسهم في سباق خاسر مع الطبيعة لمعرفة أيهما يحمي القطيع أولاً.  هذا بالضبط ما حدث في عام 2017 ، عندما تخلت شركة صناعة الأدوية Sanofi بكل هدوء عن تطوير لقاح Zika  بعد جفاف التمويل: ببساطة لم يعد السوق فى حاجة ماسة إليه.

وربما قد يصل بنا الطريق مع كورونا إلى مناعة قطيع فى نهاية المطاف، ولكن يجب توخى الحذر من الترويج لفكرة الإنزلاق السريع إليه، وهو محض استراتيجية كارثية ودعوة إلى التهوين من الأمر. لابد أن نعلم أن حياة الكثيرين من المرضى الأبرياء وكبار السن سوف تكون فى خطر عظيم ، خصوصا عند إصابتهم بأعراض مرض شديد لا علاج مؤكد له  والزيادة المفاجئة في المرضى الذين يحتاجون إلى خدمات صحية أو عناية مركزة سوف تزيد عن الحد المتاح بالفعل، وهنا تأتى الكارثة وتخرج الأمور عن السيطرة. لذا يجب على الدول والأفراد أن تفعل المزيد بدلاً من ذلك الخيار الصعب لقمع الفيروس، بما في ذلك تثبيط التجمعات بكل الأشكال وإجراء الاختبارات ومحاصرة العدوى. إن إبطاء الفيروس يعني إنقاذ أرواح كثيرة قد لا تجد من ينقذها عند نفاذ طاقة واستيعاب الخدمات الصحية بالبلاد.

المراجع:

T John et. al: Herd Immunity and Herd Effect: New Insights and Definitions. Eur J Epidemiol.

https://bit.ly/3eEdgGj

A Regalado: Worst-case coronavirus scenario: 214 million Americans infected, 1.7 million dead. MIT Tech. Rev.

https://bit.ly/3boiaow

E Netto et. al: High Zika Virus Seroprevalence in Salvador, Northeastern Brazil Limits the Potential for Further Outbreaks. MBio.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى