علي موللا نعسان.. غواية الشعر في أبهى صورها
ناصر أبو عون رئيس تحرير عالم الثقافة
علي موللا نعسان؛ ظاهرة لغوية متفردة، وفاصلة بين جملتين متصارعتين ستقف عندها طويلا في كتاب الشعر العربي المعاصر، وقافية تنزّ بعسل الغواية المصفى من حشاشة القلب المُعنَّى، وشعاع يسطع في نهاية النفق يقودك إلى طريقين؛ إما إلى فتحك المبتغى وإما إلى حتفك المنتهى.
وإذا ما قرأت قصائده المُنضَجَة في قِدْر الاغتراب، والمقدودة من نفس تتقلب على حطب الغربة القسري ستجد روحك تسبح في بحور الخليل لتولِّد منها تفعيلات طازجة جديدة غير مطروقة ولا معهودة، لتروي ظمأها وتعب كؤوس الموسيقى، من خمرة الصور الشعرية المتراقصة في دوائر صوفية مسحورة.
وعندما تستبد بك الغواية ستطلع شجرة الشعر لتقطف تفاحة الخلود الأدبي، وتهز جذوع نخيل الأفكار فتسّاقط رُطبُ الكلام، وكلما أكلت تلذّذتَ فتلظّيت بنار الشوق، وكلما تذوقت استسلمت وصرت أسيرا تسير مغمض العينين خلف بنات الشعر؛ وهي الغواية التي أتقن لعبتها الشاعر مضمخة بوهج الترانيم الشرقية الصادحة في شوارع النرويج الباردة ليظل الشعر العربي وإن ترحّل بعيدا وتناثرت قوافيه وتطايرت صوره، وحطت طيور معانيه في أقاصي الأرض من أجمل الغوايات، التي تأخذنا إلى مساحات شاسعة من الوعي غير مأهولة بالضلالات، والمعاني البكر، وسيبقى (نعسان) قابضا على جمر الكلمات حاملا راية الرفض لكل ما هو اعتيادي وخارج نطاق التأويل ليمارس لعبة (الغُمّيضة) اللغوية، ويسير بقدم واحدة على أوتار الأفكار المشدودة بين قوسين من الموسيقى الصادحة والصورة الغاوية.