وثيقة إسرائيلية مهمة.. العرب في نكبة 48 لم يتركوا منازلهم
توفيق أبو شومر
سأظل أحاول أن أُفكك شيفرة الأطروحات الإسرائيلية التقليدية، مستفيدا من المؤرخين الجدد، الذين استخدموا الأرشيف الإسرائيلي ليكشفوا (جينات) إسرائيل الحقيقية كدولة احتلال.
فقد اكتشف المؤرخون الإسرائيليون الجُدد بأنهم كانوا مُضلَّلَين طوال تاريخهم الطويل، فقد تعلموا في مدارسهم أطروحة كاذبة تقول: إن العرب الفلسطينيين قد تركوا منازلهم عام 1948 بطلبٍ من الجيوش العربية، التي كانت تنوي شن حربٍ على إسرائيل وإبادة سكانها، وتضيف المقولة الإسرائيلية، إن أكثر الفلسطينيين لم يكونوا أصلا من سكان فلسطين، فهم يملكون عقارات ومنازل في الدول العربية، وهم قد عادوا إلى مواطنهم الحقيقية، أي أنهم كانوا (يصطافون) في فلسطين!!
وقد أثبت المؤرخون الإسرائيليون، مثل آفي شلايم وإيلان بابيه، وسمحا فلابان وثيودور كاتس، ودان ياهف، وتوم سيغف، وكثيرون غيرهم كذب وافتراء المعلومات التاريخية السابقة عن اللاجئين الفلسطينيين، فقد كشف هؤلاء المؤرخون المذابح والمجازر التي تعرض لها الفلسطينيون من الوثائق التي أفرجتْ عنها إسرائيل بعد مرور عقود عليها، واكتشفوا أيضا أن رحيلهم عن أرضهم، لم يكن اختيارا، بل كان ترحيلا واقتلاعا وإبادة!!
أما عن الأطروحة المُضللِة الكاذبة الثانية هي، أن العرب قد غزوا إسرائيل لتدميرها ولم يقبلوا السلام معها عام 1948 بقرار من الجامعة العربية، ولم تكن إسرائيل مستعدة لمواجهة تلك الجيوش، فإسرائيل (المُسالمة) قد قبلت قرار التقسيم 29/11/1947 أما الفلسطينيون فلم يقبلوه.
ولم أكن أملك مستنداتٍ تُثبت أن إسرائيل، لم تكن تٌخطط لاحتلال بقية المدن الفلسطينية، ولم تكن تجمع صورا وخرائط للمدن الفلسطينية لغرض شن حربٍ عليها وأن الاحتلال والطرد جرى بمحض الصدفة فقط لا غير!
منذ يومين فقط أي يوم 19/5/2011 نشرتْ الفنانة رونا سيلع، وهي يسارية تهتم بفن التصوير، وهي أيضا محاضرة في جامعة تل أبيب في صحيفة هارتس تحقيقا من واقع أرشيف الهاغاناه عن خطة جمع صور ورسومات للقرى والمدن الفلسطينية قبل إعلان دولة إسرائيل بثماني سنوات ، أي في عام 1940 ، وهذا دليل قاطع على أن التهجير كان مُقرَّرا منذ زمن طويل، حتى في نطاق عصابة الهاغاناه، والتي كانت نواة جيش الدفاع الإسرائيلي، وإليكم تفاصيل القصة من صحيفة هارتس بترجمتي:
((بدأت قصة تصوير وتوثيق معلومات عن القرى الفلسطينية من قبل كتيبة الهاغاناه عام 1940، وكانت الهاغاناه هي نواة جيش الدفاع، وقد قام الفريق بتصوير القرى والمدن الفلسطينية لأغراض استخبارية، استعداد للمواجهات.
وشكلت الصور الملتقطة قاعدة بيانات هامة عن القدس، طرقها وبيوتها، ومبانيها العامة، وآبارها ووديانها، وسمى المشروع (ملفات القرية)
وشملت الصور كل القرى،واشتملت على مخططات ورسومات وصور عن كل قرية من القرى، وجمعت بسريَّة في سرداب في مكان يقع في شارع مابو بتل أبيب باسم المهندس مائير رابينوفتش باسم حركي ( السقف).
جُمعت الوثائق ضمن ملفات الهاغاناه، أما كيف تم التصوير؟
فقد جرى التصوير من الجو، ومن الأرض!!
كان البريطانيون يمنعون ذلك، غير أنه جرى الاحتيال على الأمر باستخدام نادٍ لهواة الطيران، واستخدمت امرأه وطفلها للتضليل ، وأصبحت المرأة هي أول مصورة إسرائيلية من الجو.
وجرى جمع تفاصيل اجتماعية واقتصادية وتعليمية وزراعية وعسكرية وهندسية عن القرى منذ عام 1940.
ومعظم الذين قاموا بالعملية قد توفوا، وقد قابلتُ بعضهم، وقد أفادوا بأن الفكرة جاءت من شموئيل زالمان من مكتب التخطيط في الهاغاناه، وكان مسؤول فيلق القدس ، ، وكذلك أربيل من كيبوتس ماعوز ، الذي ساهم في إنجاز المشروع ووظَّف الكشَّافة !!! لجمع المعلومات عن القدس، وعن وادي الأردن وبيسان وقال:
” إذا قامت الحرب فيسهل علينا غزو هذه المدن”
وعقدت الهاغاناه دورة للكشافة في قرية شفعا بالقرب من حيفا، ووصف الميجر جنرال المتقاعد موشيه غورنسكي من الهاغاناه أنه تم اختيار أربعة قرى كمثال للتدريب لغرض الهجوم عليها ضمن مخططات جغرافية، باعتبار المباني والطرق ومصادر المياه.
وفي عام 1945 بدأ الكشافة في تصوير المدن كأهداف عسكرية.
قال شيفار في كتابه الذي صدر عام 1994:
” كان الشباب يلتقطون الصور تحت شعار (كشافة متجولين) وكانوا يصحبون معهم الفتيات للتضليل”
قال رئيس قسم الخرائط والذي شارك في الخطة وصار رئيسا لقسم الخرائط:
” لم يظهر المصورون في الصور التي التقطناها حتى لا يعرف البريطانيون المصور، إذا اكتشفوا الأمر”.
وفي نهاية 1945 قرر غورنسكي وشيفار تصوير القرى العربية والمواقع المهمة من الجو لجمع المعلومات استعدادا للمعركة!!!
فقد استدعي آري غلاس من كيبوتس ياغور للمشاركة في التصوير، لأنه كان مصورا جويا مع الألمان في الحرب الأولى، ومعه الطيار في الوكالة اليهودية نويل زوكنبرغ وهو من شركة طيران نادي أفيرون، لكي يصورا المواقع المستهدفة بدون إثارة الشبهات.
وتظاهر المصورون بأنهم أعضاء في نادي أفيرون للطيران، ولبسا ملابس السبت الجميلة في هيئة العشاق، وقامت امرأة وهي (بلوتكن) ومعها طفلها الوليد بدعوى أنه مصابٌ بالربو، وادعت بأن طفلها يحتاج للطيران في الجو حتى لا يثير شبهة الإنجليز، وقد تم إخفاء الكاميرات والأفلام في حقيبة حفاظات وملابس الطفل:
قالت بلوتكن التي تبلغ اليوم الثالثة والتسعين من عمرها:
” صاحبتهم كغطاء ، ثم أصبحت مصورة، ألصق رأسي بالشباك وأقوم بالتصوير”.
كانت الأفلام تخبأ في مستودع نادي أفيرون في الرملة، وعندما شكَّ البريطانيون في الأمر، كنا نخبئ الأفلام في حقيبة مملوءة بالرمل، ثم نرميها من الجو ونحن على ارتفاع منخفض، قبل الهبوط ونضع للحقيبة علامة فوق مخيم البالماح في كيبوتس نعان، في الرملة، ثم نستقل الحافلات العربية لأنها كانت هي الأقل تفتيشا، ونستعيدها من جديد.
يبدو أن ألفيتنا الثالثة ستكون ألفية الأرشيفات، لغرض كشف الصفحات المطوية في تاريخ العالم، ويبدو أن هذه الألفية سوف تتولى إعادة صياغة تواريخ العالم كله، إلا العالم العربي للأسف الشديد، لأنه ببساطة ما يزال يعتمد التاريخ الشفوي، غير المكتوب، أما تاريخه المكتوب ، فهو تاريخ حكامه وعائلاتهم، لكي يتحول التاريخ إلى قصص وحكايات ، ويدخل في إطار التراث الشعبي الفلكلوري العربي، ويصبح فنا من الفنون، ومادة للتمثيليات التلفزيونية في شهر رمضان!!
وكمثال حديث على احتقارنا للأرشيف، فقد وجدتُ صعوبة بالغة في البحث عن صورة جوية لغزة قبل عام 2005 ، في وجود المستوطنات، ولغزة نفسها بعد إزالة المستوطنات بأيام قليلة.
وقد فشلت أيضا في إيجاد صورٍ جوية تفصيلية لغزة قبل عملية الرصاص المصبوب، لأقارنها بصورة غزة بعد عملية الرصاص المصبوب 2008- 2009 ، ويبدو أن ذلك عائدٌ إلى عدم وجود طائرات في غزة، وعدم وجود أفلام وكاميرات بسبب الحِصـار الملعون المجرم الغدَّار !!