قراءة في قصيدة ” تراتيل العشق والنار ” للشاعر عارف الأحمر
عمار بلخضرة | تونس
أولا – القصيدة
تراتيل العشق والنار
اتعبني ليل العشق.
وخفق القناديل في عيوني كاد ينطفىء.
فاشعلت زيت القصائد.
وعلقت على ماذنة الصبح.
قناديل الاشواق.
وصليت في محراب الوجد.
وكنت وحيدا.
سوى الله قد التحف جبة الحلاج.
يردد خلفي تراتيل الخلود.
فبالعشق قد تم اللقاء واتحد الوجود.
فاشع في القلب نور
اطفاء ظلمة حزني.
وشد اقدامي على درب الوثوق.
وحدقت في غيوم عاقرة.
فرأيت قمر الشعراء.
على هامات النخيل ينام.
حركت السعف لاوقظه.
فتكسر شضايا على كفي.
كبلور عتيق.
وصارت روحي غريبة.
والليل اسوار.
والحزن اسوار.
وعلى الابواب تكاثر العسس الليلي
والوشاة.
وباءعات الهوى ترصد.
جيوب السكارى.
ومن ضاعوا في زحمة الفراغ.
على ارصفة الانتظار.
وامسح عن ايامي رماد الصمت
والخوف وما خلفته السنون فيها من خلل
فما الدنيا إلا صراع.
يفتر حينا ثم يشتعل.
وما النصر إلا لمن له.
تاريخ في العشق.
ومن روض النار في معبد وعيه.
وكانت له دليلا في الفكر وفي العمل
ثانيا – القراءة
ترنيمة اخرى من ترانيم شاعرنا وصديقنا عارف الأحمر تأسرنا بطرافة مضمونها وسحر كلماتها .. انشودة في العشق الصوفي تُطوح بنا في أغوار الذات وخفايا الوجدان.. تطل من خلالها على عالم سحري عجيب ” وقد اتعبك ليل العشق ” وولجت عوالم العتمة او كدت… فانت فيها حلاج “ترى ما لا يراه الناظرون”. هكذا هو صاحبنا يتعبه العشق وتشفيه القصيدة ، دأبه ابدا، بين ثنايا الحرف مسكنه و تخوم العشق مرفؤه، يبحث بالشعر عن اناه وبالعشق عن إله، ” فيتم اللقاء ويتحد الوجود ” وتلك هي غاية الغايات “فيشع في القلب نور” ويمحي الحزن من بين الضلوع وتتلألأ انوار الحياة في الكون.. هو الاتحاد بالمطلق في العشق اللامتناهي حيث “يتحد الوحود” ويكتمل المعنى وتكون الانا فيتجلى الخلود كابهى ما يكون لحظة صفاء ابدية ” على درب الوثوق “.. هي اذن لحظة اللحظات اطل فيها شاعرنا على مهجة الكون وحيدا، حلاجا يحل في الله ، تخلص الى مقام المعرفة وقد انبلجت ابوابها ، سكرانا ينطق بكل مكتوم.. هو الخلاص الفردي” في غيوم عاقرة ” وقد كسدت سوق الشعر وتهافتت لغة الشعراء واستحالت “شضايا كبلور عتيق” في زمن يغتال الشعر ويستبيح كل شيء.. زمن العهر والقهر.. زمن الغربة والتيه.. زمن اللاشعر واللاأمر واللاشيء.. يهفو شاعرنا بكل حرقة أن يستعيد رشدا مفقودا ووعيا مطلوبا وهو يرصد لنا واقعا مريرا ” واقع من ضاع في زحمة الفراغ.. على ارصفة الانتظار “.. إنه يكشف واقعا يريد ان يتخفى وعالما يريد أن يتستر..” فمسح رماد الصمت ” لتكون ثورة الشعر.. ثورة الكلمة الحرة كثيرا ما صدح بها صاحبنا حيثما حل واينما ارتحل.. تلك هي رحلة هذه القصيدة بين الارض والسماء رحلة عشق صوفي تنتهي على الارض صارخة ثائرة عاشقة لرائحة الارض والوطن مدركة بوعي عظيم ان ” شرف الإنسان في المحاولة “.