المقاومة الشعبية ستكبح الفاشية الإسرائيلية

سعيد مضيه | فلسطين

مسيرات المستوطنين الاستعراضية الإرهابية اقترنت بعربدة فاشية أمام كاميرات الصحافة العالمية وتحت حماية آلآف العسكريين من جنود وحرس حدود وشرطة. المسيرات تقليد يذكّر بنداء أبراهام بورغ الرئيس الأسبق للكنيست وللوكالة اليهودية، في كتابه “لنتحرر من هتلر!”، سقط النداء على آذان صماء وأحيط المنادي بالعزلة الباردة. مظاهرات متلاحقة مستنفرة من قبل الحكومة والفاشيين أنصار الأبارتهايد، تجلى خلالها الازدراء المطلق لكل ما هو فلسطيني واستعجال التخلص منه بطرحه خارج “أرض إسرائيل”. مستظلة بدعوة رئيس الحكومة بالتعامل مع الجمهور العربي بكل ما يتوفر من عوامل البطش عربدت قطعان الفاشيين في الساحات والشوارع وعلى باحات الأقصى . سبق ان اكد بينيت ، بما لا يقبل التأويل، عدم استعداد للحديث حتى مع عباس المتلهف للتفاوض ، حيث التفاوض بين قوتين غير متكافئتين يستحيل إلا أن يهدر حقوق الضعيف. لا يريد بينيت إرضاء عباس ولو بالفتات.
بدل التجاوب مع طلب السفير الأميركي بتغغير درب المسيرة فوّض بينيت قواته المسلحة التعامل مع العرب بكل وسائل العنف المتاحة. و ليس من شيم الدبلوماسية الأميركية تقبل رفض مقترحاتها. الدبلوماسية الأميركية، التي لا تتقن الدبلوماسية نظرا لإدمانها فرض إرادتها بتحريك القوات المسلحة او إنزال العقوبات بخصومها ، لا تقبل حتى من حلفائها رفض توجهاتها؛ تملي مواقفها ، كما نشاهد في أزمة أكرانيا،على ألمانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان. وتملي المواقف أيضا على إسرائيل؛ وإسرائيل أيضا مشحونة بالاستبداد ورفض الحوار مع المعارضة ، حتى لو كانت إحدى سلطات الولايات المتحدة الأميركية، تسلط على من يتعارض مع سياساتها تهمة اللاسامية أو “اليهودي كاره نفسه”، وتعني كل منهما تحطيم المعارض سياسيا واقتصاديا وحتى معنويا. إسرائيل تنفّذ في منطقة الشرق الأوسط سياسة تخدم الامبراطورية الامبريالية وتحظى برضى دوائر الامبريالية جمعاء، بما في ذلك التوسع الاستيطاني وتهجير العرب من غربي النهر، تتفهم مواقف الرفض والانتقاد لإجراءاتها تحايلا وخداعا يغري القيادة الفلسطينية بالانتظار كي تنجز إسرائيل مشروعها بهدوء.
في هذه الأجواء دعم الجمهور الإسرائيلي إنكارالحقوق الفلسطينية، فلا تتعرض الحكومات الإسرائيلية لضغوطات تضطرها لإعادة النظر في سياساتها؛ ورأت أن الامكانية متوفرة لإدارة علاقات خارجية مع دول عربية مطبعة ، ودول “اتفاقيات أبراهام”، حيث الاهتمام فاتر بمصير الشعب الفلسطيني. ما تقدم يفشي الإعداد لتطهير عرقي آخر لا تعترض عليه دول الغرب الامبريالية، وتتهادن معه الأنظمة الأبوية العربية.
لم تواجه إسرائيل عبر عقود احتلالها ضغوطا تضطرها الى التفكير بإعادة النظر. درج ضباط امن متقاعدون وخبراء أمنيون في إسرائيل على التحذير من تبلد الإحساس بالوجود الفلسطيني على أرض وطنه ؛ مثال ذلك الجنرال في الاحتياط الباحث الإسرائيلي، الخبير الأول في مجال الخرائط شاؤول أرئيلي يقول إن “هناك بذرة من الحقيقة في كل أسطورة لكن هذه محاطة بطبقات من الكذب والافتراء. من هذه الأساطير عدم وجود شعب فلسطيني، عدم وجود شريك فلسطيني، فلسطين كانت خالية من الحضارة الخ. كما نبهت أوساط إسرائيلية غير رسمية في الأساس خلال الأسابيع الأخيرة منها رئيس الموساد الأسبق داني ياتوم ورئيس الشاباك الأسبق عامي أيلون من عقم البحث عن إدارة الصراع أو خفض ألُسن لهبه أو استبداله بسلام اقتصادي داعين لتسوية الصراع مع الفلسطينيين وإيجاد معادلة حقيقية لهم في إسرائيل تتيح لهم العيش بكرامة ورضا. وهذا موقف متقدم على دعوات جنرالات الأمن المتقاعدين، حيث اقتصرت مطالبهم على إقصاء الفلسطينيين داخل كانتونات معزولة.
مواقف قادة الحكم في إسرائيل، خاصة موقف بينيت من مظاهرات العربدة، تقدم الأدلة بان الوسائل المتبعة، من جميع الأطياف والقوى على الساحة الوطنية الفلسطينية هي هزيلة لا تراكم قوة ضغط ، ومن ثم عقيمة الأثر.لا تلتبس الأمور على حكام إسرائيل؛ والتهديدات التي لا تكف الفصائل المسلحة إطلاقها ليست سوى تظاهرات في مجال التنافس على الشعبوية. حبذا لو كفت الفصائل عن التهديد والوعيد ، وعن ادعاء الانتصارات . طوال عام وقيادات الفصائل تتفاخر بما أسمته منازلة “سيف القدس” ، أيار 2021؛ إذ اتضح أن الصدام المسلح غير المتكافئ لم يلزم إسرائيل بوقف اعتداءاتها على الأرض والسكان. قبلت حماس الوساطة المصرية بإيقاف الصدام المسلح بدون قيود على ممارسات إسرائيل كافة. قبلت حماس في حينه وقف الصدام المسلح، بعد أن ألحق القصف الجوي، شانه في كل جولة، الخسائر في الأرواح والعقارات! واصلت إسرائيل الإجراءات العدوانية في القدس ومناطق الضفة، ومعها تواصل بكثافة التمجيد الإعلامي من جانب أطراف جبهة الممانعة كافة لما سمي سيف القدس، والإشادة بتأثيراتها الإيجابية. جاوز عدوان إسرائيل ومستوطنيها محددات الإنذار الشهير الذي قدح شراراة العدوان على القطاع: اقتحامات الأقصى والعدوان على المواطنين الفلسطينيين في الشيخ جراح وسلوان، وكذلك اصطياد الفلسطينيين بدم بارد .
مع احترامنا للسيد حسن نصر الله فإن دعواته للمقاومة المسلحة في الضفة لا تصنع نسخة من المقاومة اللبنانية المظفرة، المفتوحة على مصادر الدعم والإسناد. تعلق الآمال بالمقاومة المسلحة يضعف إرادة المقاومة لدى الجماهير الشعبية؛ وتهديده بإزالة إسرائيل لو ألحقت أذى بالأقصى نزلت فاقدة لموضوعيتها وواقعيتها. الاستخفاف بقدرات إسرائيل وبالدعم الذي تلقاه من الامبراطورية الامبريالية ينطوي على خطورة ؛ إسرائيل تتمظهر بالضعف والخوف من تنامي قدرات إيران والمقاومة اللبنانية بقصد التأليب ضدهما ؛ فهي تحتمي بسلاحها النووي وتملك غواصات نووية في عرض البحر محملة بالرؤوس النووية. وحسنا ان تراجع أمين المقاومة اللبنانية المظفرة عن تهديده، وفي خطابه الأخير، قال ان إجراء تغييرات على الأقصى سيخلق اضطرابات بالمنطقة.
الغريب أن تتواصل الإشادة بعملية “سيف القدس لن يغمد أبدا” أيضا بينما تصدر من غزة الدعوة ل “الانتقام” من الاقتحامات بمهاجمة الكنس في أنحاء العالم!! بهذا سربوا تراجعهم خلسة عن الخيار العسكري ببديل بائس. ثم صدر من غزة نداء للجماهير بالضفة للزحف الى القدس. دعوة متأخرة جدا لأن الجماهير الشعبية ليست قطيع اغنام يهش عليها الراعي بعصاه فتهرع.. يثير الأسى أن فصائل المقاومة الفلسطينية تنظر للجماهير تارة وكانها على مستوى خبرتها السياسية، وتارة على انها تتحرك بغريزتها الوطنية ولا تستوعب قيم الثقافة الوطنية، السياسية والفكرية. ندرك تجاوب الجماهير مع العنف المسلح ، ففي اللاوعي يقترن استلابها ،عبر قرون متتالية، بالعنف ومن خبرتها أن “الرطل لا يكسره غير رطل ووقية”؛ وفي وعيها العميق يقترن الفدائي بالمخلص يقضي على الظلم، فهي كم مهمل غير مؤثر . وبهذه النفسية تتخلف عن المشاركة في الوقفات الشعبية الاحتجاجية. ويجب اخذ هذه المخلفات الماضي التعيس بنظر الاعتبار وتخليص الجماهير من عقد الماضي.
يتوجب تدريب الجماهير على الحراك السياسي مثلما تتدرب القطعات العسكرية، بالممارسة العملية مقرونة بنقل المعرفة العلمية . تدريب الجماهير على الاشتباك وتربيتها سياسيا وفكريا هي من مستلزمات تصعيد الحراك الشعبي ، وإشراك الجماهير في الحياة السياسية بوعي واقتدار. تكتسب الجماهير بالممارسة العملية الثقة بالنفس . بالممارسة العملية المقرونة بالتعبئة والتربية السياسية ، يتطور الحراك الشعبي ويتسع ، ويتجاوب تلقائيا عند الملمات مثل اقتحام الأقصى والتصدي لمصادرة الأرض وتوسيع المستوطنات وهدم البيوت . المقاومة الشعبية، إن تمت رعايتها بالتثقيف الفكري والسياسي من جانب الفصائل الوطنية ، خاصة فصائل التغيير الاجتماعي، ما يسمى اليسار، تتحول الى فعل ثوري حقا تستطيع التحدي باقتدار للمقولة الخرافية، “إعادة بناء الهيكل”؛ هذا بينما الاعتداءات على الكنس تبقى بدون نتيجة إيجابية، إن لم يكن لها عواقب تلحق الأضرار الفادحة بالمقاومة الفلسطينية . إن نقل الجماهير من حالة الركود والجبرية ومن الرضى الآثم بالإقصاء، هي عملية ثورية في حد ذاتها وتستحق بذل الجهد التثقيفي اللازم. وهي ضرورية ولازمة للمقاومة الشعبية أو المقاومة المسلحة ، وللصمود .
تفعيل المقاومة الشعبية هو الخيار الملائم ، ليس حركة تلقائية ، بل يتم بفعل نشاط دائم ودؤوب في أوساط الجماهير يدرب ويثقف ويدخل الوعي العلمي. وقد أثبت الفعل الجماهيري الثوري جدواه اكثر من مرة في العديد من بلدان العالم، واستطاع ان يقهر الجيوش والقوى الهمجية . وبهذا الوعي الثوري تلقي أغلبية الجماهير بأصواتها لصلح قوى اليسار في أميركا اللاتينية.
المقاومة الشعبية تقيّد ، لحد ما، صولة القوة الهمجية، وتكسب الأصدقاء والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية، والأهم من ذلك ان الحراك الجماهيري مناسبة لتثقيف الجماهير وتحويلها الى فاعل واع في عملية التغيير الاجتماعي، واستيعاب معطيات العلم المتعلقة بالواقع الاجتماعي الطبقي وبضرورات التحرر والتقدم، وتفضي بتطورها اللاحق الى مجتمع ديمقراطي تشعر فيه الجماهير بقوتها المستقلة وانها شريك في مكاسب التحرر والتنمية. لذلك فالقيادات البرجوازية تطمس عامدة خيار المقاومة الشعبية وتفضل استمرار الاحتلال على التحررمن خلال النشاط الثوري الشعبي.
ومن شأن المقاومة الشعبية ان تقطع الطريق على الفاشية الضهيونية، استمرأت التحريض على الشعب الفلسطيني، بمسوغ محاربة الإرهاب. فقد امكن للفاشية الصهيونية أن تؤلب الجماهير اليهودية داخل إسرائيل حين لفقت تهمة الإرهاب للمقاومة الوطنية الفلسطينية، وذلك قبل شيوع ثقافة مكافحة الإرهاب. وامكن للفاشية الإسرائيلية أيضا ان تحشد خلفها وعلى يمينها ألأغلبية الساحقة للجماهير اليهودية ، حتى طغت الأحقاد العنصرية على الاستغلال الطبقي.
والمقاومة الشعبية تعزز مواقف ومواقع العناصر المعارضة داخل إسرائيل. لا تخلو الساحة لإسرائيلية من معارضة لنهج الحكومات المتعاقبة ، معارضة، ولو باهتة، لنهج إسرائيل العنصري، تستند الى حقائق ويمكن أن تنضم الى جبهة دولية مناهضة للفاشية. فقد حذر الوزير الأسبق عوزي برعام (حزب العمل) من أن تجاهل الفلسطينيين وخيم العاقبة؛ وعلى بينيت أن يفهم أن استبدال نتنياهو لا يكون فقط باستبدال الشخص نفسه، إنما باستبدال رؤيته وافتراضاته.
كما دعا شاؤول أرئيلي “لترجيح الحسابات والمصالح العليا بدلا من الحسابات الشخصية والحزبية والشعبوية التي تدفع عددا كبير من المسؤولين الإسرائيليين لتجاهل القضية الفلسطينية حرصا على بقائهم في كرسي الحكم في ظل وجود عدد كبير من الإسرائيليين يرفضون تسوية الصراع وقيام دولة فلسطينية في حدود “1967.
مما لاشك فيه أن هذه الدعوات، لكي توجه سياسات إسرائيل ، تستدعي مقاومة شعبية متنامية تتسع باضطراد وتلجم الفاشية ونظام الأبارتهايد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى