القدس عربية إلى الأبد محتلة مؤقتا

المحامي إبراهيم شعبان | القدس العربية المحتلة
رغم الحشود الإسرائيلية المؤلفة في مسيرة الخزي والعار والرعونة، ورغم الخزي العربي السلطوي لمواجهة تلك الحشود ولو بكلمة أو بيان أو حركة، ورغم أفول صيحات الوعيد والإستهجان والمبالغة على طريقة المرحوم أحمد سعيد، إلا أن خبرا صغيرا ذو دلالة عميقة وكبيرة وهامة اثلج صدري بقدر ما أثلج صدوركم رغم سوداوية الوضع، ألا وهو أن الفلسطينيين المقدسيين باتوا يشكلون اليوم أربعين بالمائة من عدد سكان القدس العربية، وأن عدد من تجنس بالجنسية الإسرائيلية لا يزيد عن خمسة بالمائة. هذان خبران يؤكدان عروبة القدس الراسخة والأبدية، ولا تنفيها مسيرة أو قرار او ميزانيات لمحتل عسكري إسرائيلي، فرغم الظروف الصعبة بل القاسية والإغراءات الهائلة، طيلة عقود خمسة للإحتلال الإسرائيلي، التي عاشها ويعيشها المقدسي الفلسطيني بقيت القدس قابعة في فؤاد المقدسي وكل فلسطيني.
اللهم زد وبارك، كان الفلسطينيون عشية الإحصاء الإسرائيلي بعد الإحتلال الإسرائيلي للقدس العربية وضمها للكيان الإسرائيلي، لا يزيدون عن سبعين ألفا فقط سكانا، وستة كيلومترات ونصف مساحة. وكانت الخطط الإسرائيلية التي نفذتها بلدية الإحتلال في القدس ووزارة الداخلية ورئاسة الوزراء طيلة خمسة عقود زمنية بأن يشكل الفلسطينيون قطعة موازاييك تثبت التعايش اليهودي الفلسطيني المزعوم وتزينه، وأن لا يزيد عدد السكان الفلسطينيين عن عشرين بالمائة من مجموع عدد السكان في القدس بكل أجزائها، وان لا يمنحوا المواطنة الإسرائيلية، وتطبيق قانون الطوارىء عليهم، وأن يغادروا المدينة طوعا وكرها، لذا وضعت كل العقبات والعراقيل من منع بناء ومنع ولم شمل، ومنع ماهج مدارس وسحب هويات وفرض ضرائب بكل اشكالها وبنوك عربية منتفية، وتقييدات دينية ورسوم عالية لتحقيق ذلك الهدف .
لكن الرحم الفلسطيني المعطاء خيب آمال الإسرائيليين وأحلامهم وقلب توقعاتهم رأسا على عقب، حتى أنهم في أسوأ كوابيسهم لم يحلموا أن يبلغ عدد الفلسطينيين المقدسيين ثلاث مائة وستة وستين ألفا من مجموع عدد السكان المقدسيين. صحيح أن الفلسطينيين المقدسيين يرفضون الجنسية الإسرائيلية والمشاركة في الإنتخابات البلدية ترشيحا وانتخابا، لكن وجودهم ملموس وحي وقائم في كل زقاق وحي في القدس العتيقة، رغم هذا الغياب التمثيلي في أزمان تيدي كوليك وإيهود أولمرت وأوري لوبيالنسكي ونير بركات وموشيه ليون وانعكس على الخدمات. ولو أن الإسرائيليين المحتلين يطبقون أبسط قواعد حقوق الإنسان والقانون، لما استمر هذا الوضع الشاذ القائم على التمييز والتفرقة العنصرية.
مسيرة مشكلة من شذاذ الآفاق في حمى شرطة عنصرية وسياسيين عنصريين يمينيين وقضاء رضع حليب الصهيونية، غزت القدس العتيقة ورددت شعارات أقلها يشكل جريمة جنائية تستوجب التحقيق والمحاكمة، تراخت بصددها الشرطة الكافلة للنظام والأمن كما يدعون، من أن تحقق مع واحد من هؤلاء الزعران فيما رددوا ” الموت للعرب ” محمد مات ” “شعفاط تحترق ” ” لنحرق قريتك “. أين محققوا الشرطة واين عدالتهم ، بل لماذا أوصت الشرطة دون سواها ولوحدها، بإقامة هذه المسيرة العنصرية .
مسيرة عنصرية تزعم أنها قامت بذكرى مزعومة حول تحرير القدس وتوحيدها من جديد. عقل غوبلزي لاختراع الأكاذيب، فالتوحيد يتم بين فريقين متحابين متراضين، يكون لكل فريق حقوق والتزامات متماثلة، فهل هذا حاصل أم أن التمييز العنصري هو السيد. والتحرير يتم باستبعاد وإخلاء الخصم من رقعته المكانية لأنها تخص من يزعم التحرير. فهل هذا حاصل، وهل أخلى المقدسيون الفلسطينيون مكانهم ومدينتهم، وهل القدس القديمة غدت حيا يهوديا أو مدينة يهودية أم حافظت على عروبتها وبقيت أسواقها وحاراتها وأزقتها مرتعا للمقدسيين الفلسطينيين وحدهم دون سواهم رغم كل شيء. كذب وزيف وخداع في المفاهيم والتاريخ والجغرافيا والقانون.
مسيرة ترفع آلاف الأعلام الإسرائيلية قامت واحتشدت لإثبات المنفي، ولتؤكد المشكوك فيه بعد أن عجز الكثيرون منهم على إيجاد دليل حي واحد. فرغم عدد المتظاهرين الكبير وشراستهم إلا أن ذلك أثبت ضعفهم وقلة حيلتهم. فلم تكن القدس على مر التاريخ، مدينتهم. ولم تكن يوما عاصمة لهم لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ الحديث. وهذا مستمد من كتبهم وتاريخهم وعلماء آثارهم. فلم يقيد لهم مفهوم العاصمة قديما لأن مفهومها حديث وقد جهلوه كليا بل انشغلوا في قتال جانبي. وحديثا فقد رفضت جميع دول العالم الإعتراف بالمركز القانوني لعاصمتهم، وأنكروا عليها وصف العاصمة ، حيث لم يقيموا سفارة واحد فيها بل اقاموا سفارات بلادهم في تل أبيب، إلى أن جاء الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، حيث قرر الإعتراف بالقدس عاصمة لهم، ضاربا بعرض الحائط الإجماع الدولي بخصوص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181.
مسيرة تفتقد لأي مقوم علمي أو تاريخي أو منطقي أو قانوني للربط بالقدس، وتجاهل هؤلاء الأغراب الزعران أن القدس مدينة عربية أسسها اليبوسيون والكنعانيون العرب بعد أن كان يسودها الإضطراب والفوضى السياسية وكانت مسرحا للغزاة والفاتحين ومثالا لزعزعة الحكم وضعفه. لكن منذ الفتح العربي الإسلامي لمدينة القدس عام 626 ميلادية الموافق للسنة الخامسة عشرة للهجرة، ساد الحكم العربي المسلم الفعال السلمي المستقر، والحيازة الهادئة غير المتقطعة وغير المنازعة من أحد، والتقادم الطويل المستند إلى رضاء المحكومين . بدءا من الخلفاء الراشدين مرورا بالأمويين والعباسيين والطولونيين والإخشيديين والفاطميين والسلاجقة والمماليكوانتهاء بالعثمانيين. ولم يعكر صفو هذه السلسلة الطويلة سوى الغزوة الصليبية قديما والغزوة العبرية حديثا.
أما مقولة الغزو الإسلامي للقدس وفلسطين. فأبسط رد عليها أن العالم آنذاك وقبل وبعد الفتح الإسلامي، كان قائما على الغزو في العلاقات الدولية، بل بقي هذا المبدأ إلى بدايات القرن العشرين وتحديدا حتى عام 1928 أي بعقد اتفاقية بريان كيلوج. ولنا أن نتسائل كيف جاء اليهود لفلسطين، أو لم يأتوها غزاة عراة. والأهم هل بقوا فيها وحازوها وتصرفوا فيها ام خرجوا منها. ولنا أن نسأل كيف تم غزو أمريكا وكثير من بقاع العالم.
خمسة وخمسون عاما من التنقيب والبحث في كل زاوية وموقع في مدينة القدس وتحتها وداخلها وخارج أسوارها، لإيجاد دليل يؤكد يهودية المدينة ولو لحقبة زمنية قصيرة. بذلت الميزانيات واحضر العلماء واختصرت الأزمان للإتيان بدليل واحد، لكن خاب ظنهم، ولم يجدوا سوى آثارا رومانية أو إسلامية. وبقي السؤال الحائر عن الهيكل الذي صنعوه وسوقوه وروجوا ورسموا أركانه وبينوه في كتبهم ورسوماتهم وخيالاتهم وشروحاتهم: له أين الهيكل الموعود، واين حجارته وأقواسه وصولجاناته وذهبه وجواهره، واين اختفت كل ذلك. وهل يعقل أن تختفي بقدرة قادر كل تلك الأشياء الموصوفة وغير القابلة للإختفاء لا عقلا ولا علما، أم اختفى في أبيار الحرم التي جال فيها علماء الآثار ايام الحكم العثماني .
قلت وما زلت أكرر أن فوهة المدفع لا تخلق سيادة بل تخلق سلطة فعلية أساسها الرهبة والخوف وليس الشرعية ولا العدالة. فاحتلالهم رغم طوله وغناه مؤقت بطبيعته، ، وهو إلى زوال، ولو سار في مسيرتهم كل أفراد شعبهم. فلا ثمار للعدوان ولو طال، والضم باطل ولاغٍ ولن يكون الإحتلال وسيلة شرعية لكسب ملكية الإقليم الفلسطيني . وسيكون المقدسيون حجر الرحى لحق تقرير المصير للفلسطينيين، وسيرفع شبل فلسطيني العلم الفلسطيني على مساجد وكنائس القدس!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى