جينات الإبداع في مدرسة يابانية
توفيق أبو شومر | فلسطين
وصفَ الصديقُ، د. سمير عبد الحميد نوح، الأستاذ الزائر في جامعة دوشيشا، كيوتو، اليابان في كتابه الجديد (اليابان بين طيات الكيمونو، وأقنعة النينجا) زيارتَه لمدرسةٍ ابتدائية يابانية قال: “زرتُ مدرسة ابتدائية في مدينة، كيوتو، رأيت فيها المناظر التالية:
يخلع الطلاب أحذيتهم عند بوابة المدرسة، وكذلك الزائرون، يلبسون شباشب خاصة، المدرسةُ كالمسجد، يقومُ المدرسون المؤهلون، المدربون تدريبا مكثَّفا، بتدريس كل المواد للفصل الواحد، كتبُ الطلاب زاهية الألوان، قليلة الصفحات، خفيفة الوزن، سألتُ مُدرِّسةَ الصف الثاني الابتدائي، أساهارا: ماذا تفعلون حين ينتهي تدريس المقررُ خلال أسبوعين؟ أجابتْ: “إن واجب المدرسة الإشراف على تشكيل شخصية الطفل، وإشعاره ببهجة الحياة، لذا نسعى لتقليل الكم المنهجي إلى أقصى حد، مع توجيه التلاميذ إلى احترام القيم، وحب العلم.
المدرسة عندنا هي بيت التلميذ الحقيقي، الهدف ليس التلقين، بل اكتساب المعرفة، شاهدتُ في الساعة نفسها طلاب الصف الرابع ينتظمون في مجموعات صغيرة، تنشغل مجموعةٌ بالحياكة والنسيج، ومجموعة أخرى بأعمال النجارة، وأخرى بالزخرفة، ومجموعة رابعة تتولى تركيب إنسان آلي، وخامسة تُركِّب هيكل سيارة، أما طلاب الصف الثاني، يتحلق بعضهم حول حوض السمك، وآخرون ينظفون أقفاص الطيور، ومجموعة أخرى تُطعم الأرانب، ومجموعة رابعة تسقي النباتات والأزهار، سألت عن طابورٍ من التلميذ يتجهون نحو بوابة المدرسة، أجابتني المعلمة: “إنهم يستعدون لجولة مدرسية لزيارة مصانع الحلوى. في تمام الساعة الثانية عشرة يتناولون طعام الغداء، بإشراف خبير في التغذية.” انتهى الاقتباس
لن أجبركم على وصف يومٍ دراسي في إحدى مدارسنا الابتدائية، لأنني أتوقع أن تقولوا: (أين نحن من اليابان؟) بل أدعوكم للسؤال عن أهداف التربية والتعليم في بلادنا، هل هي كما وردتُ في خطة المنهاج الفلسطيني 1998 وهي تنصُّ؟!:
“خطتُنا الرسمية تبدأ بتوحيد المناهج، ثم تكييف المناهج لمواءمة الواقع الحالي، ثم مواكبة الانفجار المعرفي، والمتغيرات التكنلوجية، وترسيخ القيم في المجتمع الفلسطيني، من أجل الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس!!”
الخطة السالفة مكونة من صياغة لُغوية محكمة السَّبك، ولكن، هل المناهجُ تُحقِّق الأهداف؟! هل المدرسُ المقهور في راتبه الشهري، وعدد طلابه الكبير، قادرٌ على التعامل مع حقول الألغام السابقة؟! هل الأبنية المدرسية ببواباتها الحديدية، وشبابيكها المجنزرة، التي تشبه السجون، وغرف التدريس والمقاعد المنفَّرة يمكنها أن تتعامل مع الأهداف التربوية السابقة؟ ماذا عن عصي المدرسين، وأدوات التعذيب؟
هل المدرسون غير المؤهلين، ممن يحشون الأدمغة بالمحفوظات، ويعاقبون الطلاب المبدعين، الذين يخرجون عن النصوص المُقرَّرة، ويقيِّمون الطلاب بنتائج الامتحان الأخير فقط، قادرون على تأسيس جيلٍ يمكنه أن يواكب(الانفجار المعرفي) والمتغيرات التكنلوجية؟!!
لا غرابة حين تتصدر اليابانُ، وأمريكا، والصين، وإسرائيل دولَ العالم في (براءات الاختراعات) وفي الوقتِ نفسه تغيبُ كلُّ دول العرب عن المنافسة، إن نطفَ الإبداع تكمن في التعليم!، كما أنّ النضالَ الوطني الحقيقي المخلص، دائما، يبدأ من الأساس، التربية، والتثقيف، والتعليم يبدأ بأهداف قابلة للتحقيق، ومناهج دراسية، تهدف لإنارة العقول، لا حشوها!
إنَّ الشعوبَ التي تقيس التعليم بالأعداد والكم، شعوبٌ غافية في أحلام ماضيها، لا تُحسبُ ضمن الشعوب الساعية للحضارة، والتقدم، والتطور.