التنمُّر على المُسْتقبل

سهيل كيوان | فلسطين

التنمّر على المعلمين هو تنمُّرٌ على مستقبل أجيال، سواء كان هذا من قِبل الطلاب أو من قِبل أهالٍ.
هناك جهل لدى معظم الأهالي لمشاقّ مهنة التدريس، إذ أن أكثرية أبناء مجتمعنا ترى في مهنة التدريس القريبة من البيت عمومًا، مهنةً سهلة، وهذا يؤدي إلى سوء تقدير لمعاناة المعلم أثناء أدائه لوظيفته.
المُعلم إنسان قبل كل شيء، له مشاعره وأعصابه، وهو يتحمّل أكثر بكثير من الإنسان العادي عمومًا، وبحسب شهادات كثيرين من المعلمين، فهم يدمنون واقع مهنتهم، ومع مرور الزّمن تنطفي مرارتهم وتهترئ أعصابهم، وتخبو ردود أفعالهم الغاضبة، ويصبح لديهم قدرة هائلة على تحمَّل وتخطي الاستفزازات التي تواجههم من الطلاب أو الأهالي.
مهما كان المعلّم محترمًا ومؤدّبًا وهادئًا ويتعامل مع طلابه كما لو كانوا أبناءه، لا بد أن يكون هناك بعض الطلبة المشاغبين، الذين لا يقدرّون دوره ولا دور غيره، خصوصًا أولئك الذين يعانون من مشاكل داخل أسرهم، ويفرغون ترسَّبات أنفسهم بين جدران المدرسة.
يتعامل المعلم خلال نهاره مع عشرات من زملائه في الهيئة التدريسية، ومع مئات الطلاب من ذوي الأمزجة والخلفيات والمستويات المختلفة، ويتعامل في مرحلة ما، مع لجنة أولياء الأمور، ومع أولياء الأمور أنفسهم، هذا يعني أنّ العلاقات الإنسانية في هذه المهنة، أعمق وأكثر تنوعًا من أيّة مهنة أخرى.
المعلم مثل غيره من الناس، يعمل كي يعيش، ونظرة البعض إلى أنه يصل إلى المدرسة فقط كي “يختم البطاقة” وانتظار الراتب، فيها تجنٍ كبير على المعلمين، فجميع الناس يعملون لأجل الراتب وينتظرونه، وهذا هو الطبيعي، الفرق أن بين أيدي المعلمين يكمن مستقبل أجيال، ولهذا يجب أن يُمنحوا مكانتهم اللائقة بهم، وأن يتصرَّفوا هم كذلك على هذا الأساس.
يحتاج الأهالي إلى زيارات منظمة إلى المدارس، وليس فقط بعد وقوع مشكلة ما، بل يجب أن تشمل برامج المدارس لقاءات تنويرية وتعارف بين الأهالي والمدرِّسين، ليطّلع الأهالي على مشاقّ المهنة، وتفهّم ما يمكن أن يدور بين المعلم وطلابه.
يقضي المعلمون مع الأبناء وقتًا أطول من الأهالي أنفسهم، وبهذا يعتمد الأهالي كثيرًا على المدرسة لتعليم وتربية وتهذيب أبنائهم.
معظم الطلاب يتصرفون في بيوتهم بحذر، ولا يرى الأهل منهم سوى اللطف واللين والحياء، خصوصًا إذا كان وليُّ الأمر حازمًا مع أبنائه، أما في المدرسة، فيجد الطالب فرصة للتعبير عن نفسه وعن مواهبه التي قد تضايق وتستفز الآخرين بقصد أو بغير قصد.
الأهالي يعرفون الوجه الملائكي، أما الذي يقفز من فوق سور المدرسة والذي يرفس زملاءه في الساحة أو يرشقهم في الماء، والذي يطلق النكات لإضحاك الطلاب على المعلم ويشغّل هاتفه في الحصّة، فهذا وجه لا يعرفه الأهالي عمومًا، ويرفضون التّصديق بأن ابنهم قد يتصرف بصورة سيئة، بعضهم يتهم رفاق السوء، ويرفض استيعاب أن ابنه هو الذي قد يكون رفيق سوء.
القوانين كبّلت أيدي المعلمين وألسنتهم، حتى التوبيخ اللفظي للطالب صار صعبًا، وأسهم هذا إلى حد ما بإطلاق مواهب الطلاب وتفكيرهم وآفاقهم، ولكنه في الوقت ذاته سبّب بعض التسيّب، وهنا يجب أن نراعي الحرية إلى جانب الانضباط.
الحالة العامة التي يمر بها مجتمعنا من عنف تنعكس على جميع الشرائح الاجتماعية، بما في ذلك على الأهالي وعلاقتهم بالهيئات التدريسية، وتنعكس بعض الصِّراعات على السُّلطة المحلية على بعض الأهالي المنتمين لهذا الجانب أو ذاك، فهناك من يعيشون في عقلية من ليس معنا فهو ضدّنا، وعندما تتاح لهم الفرصة ينتقمون من المعلم، نتيجة حسابات بعيدة عن التدريس.
كل ولي أمر يعتدي على معلم برفع يده عليه أو بتوبيخه في المدرسة، يجب أن يعاقب قانونيًا، وأن تسجّل عليه وصمة اجتماعية، لأن الضَّرر الذي يسبّبه كبير جدًا وأوسع مما يُظنُّ للوهلة الأولى.
بعض الأهالي يغضبون من تحصيل أبنائهم الذين لم يلبوا توقعاتهم، وخصوصًا أولئك الذين يرفضون أي تراجع في التحصيل، ونسبة لا بأس بها من المشاكل تأتي من هذه الفئة، التي ترفض قبول أي تراجع ولو بعلامتين، ويحتجُّ بعضهم بالعنف اللفظي، وكأنَّ هبوط الطالب في مرحلة ما كارثة لم يعد إصلاحها ممكنًا.
هناك نسبة ضئيلة جدًا من المعلّمين، لا تجاوز الواحد بالمئة، ليست صالحة لهذه المهنة، لأسباب كثيرة ، وهؤلاء يتحمّلون مسؤولية، وأولياء أمور الطلاب لهم دور في تأطير أمثال هؤلاء والقيام بما يجب بواسطة القانون تجاههم، ودون اللجوء إلى العنف في أي حال من الأحوال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى