نافذتي الضَّبابيَّة

معين شلبية

خلفَ نافذتِي الضَّبابيَّة
تجتاحُني رَغبةُ المكاشَفَة
عن نَجْمَةٍ أَوْغلَتْ فيْ ثَنايا السَّحاب
عن بقايا رائِحةٍ تَخمِشُ فيَّ الجَسَد
لأَعْبُرَ فيهَا مِثلما يعبُرُ الحالِمُ
مرايَا الغِياب.
خلفَ نافذتِي الضَّبابيَّة
أَزَحْتُ ما أَخفيتُ مِنْ أَسرارِ قصَّتِنَا
عَنْ إِشراقةِ الغَبَشِ المُوَشَّى
بِعَرَقِ الزُّجاجِ المخمليِّ
فانْشَقَّ أَمامي فِي الظُّلمَةِ حيِّزٌ للقَمَر
يسترقُ النَّظرةَ على طيفِهَا الطَّالعِ
تحتَ المطَر.
خلفَ نافذتِي الضَّبابيَّة
تمرُّ أَمامي كَلَمْحِ الآهِ فيْ صَدري
يلهَثُ فيَّ البحرُ كحِصانٍ عابرٍ للشَّهوات
بينما الزُّرقةُ الأَبديَّةُ تمحُو ظِلالَ الرَّملِ وأَرحلُ
حيثُ أَقمنا كلاماً بعيدَ الكلامِ فيْ مراثِي الذِّكريات.
خلفَ نافذتِي الضَّبابيَّة
جمَعْتُ الحَطَبَ فيْ داخِلي وأَضْرَمْتُ النِّيران
رَتَّبْتُ سَجَّادتي العَجَمِيَّة، بعضَ كِتاباتي، تَبِغِي
حواسِي، حفنةَ موسيقى وَفَوْحَ ملابِسِها
تَحَسَّسْتُ حتَّى الحيطَان.
خلفَ نافذتِي الضَّبابيَّة
ينتابُني حَدْسٌ مَهيضٌ بالضِّيقِ، بالقلقِ
بالخوفِ، بالحنينِ إِلى أَحَد
يتسلَّلُ نحوَ الغامضِ المرئِيِّ ويصعدُ حتَّى الشَّجَى
يُطِلُّ على ذاتي لكنْ، سُرعانَ ما أَتصوَّرُ أَنِّي
لا أَحَد
لا أَحَد
لا أَحَد.
خلفَ نافذتِي الضَّبابيَّة
يَنْدِفُ الثَّلجُ على معاطِفِ قلبي
فينهمرُ الضَّياع
تشتدُّ ذائِقةُ المَطَر
تُبْحِرُ فيْ رُوْحِي الأَحزان
فأَصْرُخُ:
سيِّدتي يا سيِّدتي
يا امرأَةً تَخْلَعُ إِلا أُنُوْثَتَهَا
ستَمْلأُ الرِّيحُ ثِيابي وعلى سريرِ الحُبِّ
ستَنْبُتُ شَهْقَةُ الإِبداع.
خلفَ نافذتِي الضَّبابيَّة
تأْتيني مِنَ العَدَمِ
تحملُ جُرحَهَا النَّارِيَّ
فتوقِظُ فِيَّ تَمُّوزَ الَّذي ما غابَ يوماً
تَمُّوزَ الَّذي لا بُدَّ أَنْ يَعـود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى