الصورة الجزئية في قصيدة: كلي جرح للعراقية رند الربيعي)
د. جمال فودة | عضو الاتحاد العالمي للغة العربية – كاتب وناقد من مصر
تعد الاستعارة الإضافية أكثر البنى الاستعارية تردداً في شعر “رند الربيعي”، ومرد ذلك إلى ما يقع في شعرها من تلاحم وتداخل وامتزاج بين الأشياء، ومن ثم تكون الحاجة إلى منطق جديد، تأتلف فيه المختلفات وتتعانق فيه الأضداد، وليس أقدر على صياغة هذا المنطق من التشكيل الإضافي للاستعارة.
وتكمن أهمية الاستعارة الإضافية في معرفة انحرافات الألفاظ عن معانيها الأولى من خلال الإضافات، ثم استكناه ذلك التواشج القائم بين اللفظين واندماجهما في ثوب جديد،وتأتى الاستعارة الإضافية على صورة مركب إضافي يجمع بين المستعار والمستعار له في بنية تصويرية تتميز بثرائها الدلالي والإيحائي،تقول الشاعرة:
ها أنا أرتدي
آخر ثياب خذلانك
لأراقص حناجر الموت
وحدك جمهوري
على جمر غيابك
أرقص حافية من أحلامك
منذ ألف انتظار
على مسافة شوق
أسمع خطوات
يلتفت قلبي
يلتوى جسدي
ينحني على كلماتي
نائية ذاكرتي
تلتصق بأطراف الأرض
بالتأمل في هذه الدفقة الشعرية / الشعورية تبدو جماليات الاستعارة الإضافية في الجمع بين طرفين متباعدين، ومن ثم يكون التماس التناسب بين الطرفين على المستوى النفسي؛ من خلال النظر إلى سياق الصورة الشعرية لمعرفة مكوناتها وكشف أبعادها وسبر أغوارها الدلالية / النفسية، إذ ربما تبدو الصورة للوهلة الأولى بلا نقطة التقاء دلالي محوري يجمع بين طرفيها، كما هو الحال في النموذج السابق، فأي رابط يجمع بين ” ثياب الخذلان ” و ” حناجر الموت ” من ناحية و ” جمر الغياب ” و ” مسافة الشوق ” من ناحية ثانية؟
لعل الأنسب أن نلتمس الرابط بين هذه البنى / الصور الاستعارية عبر السياق الكلى للقصيدة؛ باستجلاء الفاعلية النفسية باعتبارها عنصراً حيوياً في إحداث التقارب بين الأطراف المتباعدة.
ففي إطار الإحساس بالانكسار يتجه الخطاب إلى استدعاء أسبابه كنوع من الندمالذي يحيط النفس بكم هائل من الضياع والحزن والإحساس بالكسر، وقيمة تلك الصور الجزئية تكمن في إحداث التماثل،وكأن هناك طاقات روحية إيحائية هي القادرة على جمع المتناقضات في ثنايا الصورة التي تعكس حالة من الإحساس بالضياع بين ماض أليم وحاضر أشد إيلاماً.
ومن الأدوات التيتشكل بها “رند الربيعي” استعاراتها الإضافية استخدام أعضاء الإنسان طرفاً في بنية الصورة، في محاولة لتشخيص وتجسيد المجردات بصهر الطرفين معاً،(فـ حناجر الموت ، وأطراف الأرض )تنتج لنا علاقة اتحادية، حيث تقيم الشاعرة بنية لغوية تصويرية تشخص المجرد وتجسده ؛ ولذلك تستخدم الشاعرة الأفعال (أسمع، يلتفت، يلتوي، ينحني، تلتصق) في رصد لاستجابة حركة الجسد والروح، والتوافق بين الداخل والخارج، وهي بنية لغوية تحمل نفس الإيحاء لتثرى رمزهاالشعري إذ يستلزم الأمر أن ” تجتاز مسافات الشوق، وتنأى الذاكرة بعيداً حتى تصل أطراف الأرض بحثاً عن ميلاد جديد .
وهكذا تبدو الإضافة في شعر “رند الربيعي” خلقاً جديداً يتعانق فيه الكون ويتوحد وتتشابه ظواهره، وكأن الاستعارة الإضافية في يدها أشبه بعصا سحرية تغيب المعالم أو تحولها أو تجعلها غائمة بين حس المادة وروح التجرد، إذ تفقد الأشياء حدودها الصارمة، ويفقد اللفظ دلالته النهائية المحدودة ويغدو من خلال الإضافة خلقاً جديداً يستمد فعاليته ودلالاته المتغيرة من السياق الجديد، وتغدو العلاقات بين الكلمات في الإضافة علاقات سياقية متنوعة.