أريد أن أذهب إلى قبري فارغة منك

ياسمين كنعان

أنت لا تفهم؛ أنا أيضا أريد أن أذهب إلى قبري فارغة من كل شيء حتى منك، تخيل أن آخذك بكامل امتلائي إلى شق ضيق في الأرض، أن أدفنك معي تحت تراب ثقيل، أن أكون وجها لوجه مع صورتك وصوتك وأفكاري، أن أغضب منك وأتعارك معك في ذلك السطر من الأرض، أن أدير ظهري لك فأجدك أمامي تحيطني من كل الجهات مثل قبر..!
أريد أن أفرغك من داخلي، أقطرك حتى بداية البداية، لن أحتمل لزوجة حضورك في مكان رطب مثل قبر، أخشى أن تتكاثر مثل طحلب هناك..تخيل أن تكون الصورة الوحيدة الثابتة، تخيل أن تبقى عيوني مفتوحة إلى الأبد على وجهك وملامحك..!
سأنتهي منك حين أكتبك وأعود إلى نفسي فارغة من كل شيء حتى أنت..!
سأعود إلى نفسي كما يعود الوتر إلى سكون البداية بعد أن يتحرر من اهتزازاته، أو كما يعود المصاب بالصرع من تشنجاته..سأعود بكامل إنهاكي وأرقي إلي بعد أن أنتهي منك تماما كأنك ما كنت..!
أحرقني الاقتراب وبعثرني الابتعاد، تعبت من التعري في حضرة صمتك، تعبت من جمود نظراتك، من كلماتك الميتة، من شفتين مطبقتين، من كفين متشابكين، من صمم متعمد، تعبت من انسكابي أمامك، وخجلت من فروعي التي كانت تخذلني كل مرة وتنبت في حضورك وردة كأنني الياسمين، خجلت من ضوء يشع من عيوني وابتسامة تغتصب وجهي كلما رأيتك..!
خجلت من جسدي الذي يشف عن قلب لا يكف عن الخفقان والمناداة، كم كنت شفافة في حضورك ولم تنتبه..!
أكتبك كي أنساك، أعيدك لغة مبعثرة لم ترتبها أو تبعثرها أصابعي، لغة متروكة مثل شعاع ضوء على النوافذ..مثل مشاع..!
سأعود إلي بعد أن أنتهي منك، لا شيء يتعبني مثل امتلاء روحي بك، لا شيء يرهقني مثل هذا النبض المتعالي، لا شيء يحولني إلى ريشة في مهب لهب مثل حضورك الطاغي..!
سأنهي القصة قبل أن تكتمل، أسبق النهاية بخطوة واحدة، ألهث وأرفع كفي عاليا قبل أن يسدلوا الستار على المشهد الأخير..!
سأطلق رصاصة النهاية قبل النهاية فمعك لن يكون وصول..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى