اليوم السابع نبع ثقافة لا ينضب
جميل السلحوت | القدس
بداية شهر آذار-مارس- الحالي 2021 تدخل ندوة اليوم السابع المقدسية الثقافية الأسبوعية الدورية عامها الحادي والثلاثين، وقد أصبحت معلما ثقافيّا فلسطينيّا، ويتساءل كثيرون عن بدايات ونشوء واستمراريّة هذه النّدوة، التي تعقد جلساتها في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مساء كلّ خميس منذ آذار 1991 وحتى الآن. خصوصا وأنّ هناك من يدّعون الرّيادة في هذه النّدوة، فكان لا بدّ من التّعريف بها، وتسجيل شيء من تاريخها.
في شهر آذار 1991 وبمبادرة من جميل السلحوت التقى كلّ من: جميل السلحوت، ديمة جمعة السمان، ابراهيم جوهر، ربحي الشويكي ونبيل الجولاني، ودعوا عشرات الكتّاب والمثقّفين الفلسطينيّين لعقد ندوة ثقافيّة دوريّة أسبوعية أسموها “ندوة الخميس” في مركز القدس للموسيقى في القدس الشّريف، يتحاورون ويتبادلون في الشّأن الثّقافيّ المحليّ والعربيّ والعالميّ، ثمّ انتقلت من يوم الخميس إلى يوم السّبت كي لا تتعارض مع ندوة يعقدها اتحاد الكتّاب في الوقت نفسه، فحملت النّدوة المقدسيّة اسم “ندوة اليوم السّابع”، وعندما توقّفت ندوة اتحاد الكتّاب عادت الندوة إلى مساء الخميس، واحتفظت باسمها ولا تزال “ندوة اليوم السابع”، وبعد حوالي عامين انتقلت إلى المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ، ولا تزال النّدوة مستمرّة حتّى يومنا هذا.
أهداف الندوة:
– الحفاظ على الهويّة الوطنيّة والثّقافيّة في القدس.
– عقد ندوات ولقاءات لفضح ممارسات الاحتلال وسياساته التهويديّة للمدينة.
– جمع وتدوين التّراث الشّعبيّ الفلسطينيّ في القدس.
– عمل دراسات وأبحاث عن الأبنية التّاريخيّة والمساجد والكنائس والأديرة والزّوايا والتّكايا والمقابر التّاريخيّة في القدس.
-عمل دراسات وأبحاث عن العائلات المقدسيّة العريقة، وحياة”التّمدّن” في المدينة كنموذج للحياة المدينيّة في فلسطين.
– عمل دراسات وأبحاث عن الشّخصيّات المقدسيّة والفلسطينيّة والعربيّة والاسلاميّة التي كان لها دور في القدس.
– طباعة النّتاجات الأدبيّة والثّقافيّة والأبحاث لمبدعي القدس.
– تواصل المثقّفين والكتّاب الفلسطينيّين مع بقيّة زملائهم في الدّاخل الفلسطينيّ وبقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة.
وكبداية-ضمن الامكانيّات المتاحة-استقرّ رأيهم أن يناقشوا كتابا يختارونه، وأن يحدّدوا موعدا لمناقشته، وتعطى الأولويّة في الحديث لمن كتب عن الكتاب، ثم يجري نقاش عام يشارك فيه من يريد من الحضور، واشتراط الكتابة هنا من أجل تشجيع الحركة النّقدية ومحاولة تفعيلها، ومن أجل النّشر والتّوثيق في الصّحافة المحليّة والعربيّة والألكترونيّة.
وقد صدر عن النّدوة حتّى الآن ثلاثة وعشرون كتابا توثيقيّا لما يجري فيها وهي:(يبوس)و(ايلياء)، (قراءات في نماذج لأدب الاطفال)، (في أدب الطفل)، (الحصاد الماتع لندوة اليوم السّابع)، (أدب السّجون)، (أبو الفنون)، (حارسة نارنا المقدّسة)، (بيارق الكلام لمدينة السّلام)، (من نوافذ الابداع)، (نور الغسق)، “مدينة الوديان”، “مرايا الأقلام في مدينة السّلام”، “العشق المسموح في مدينة الرّوح”، “أقلام ترسم الطريق”، “حياة أخرى هناك”، اليوبيل الفضي لندوة اليوم السابع، “بساتين الحياة”، عصرون، بوّابة السّماء وعبق الكلمات.
وتتعدّى فعاليات وجلسات النّدوة قراءة الكتب إلى حضور المسرحيّات التّي تعرض في المسرح الوطنيّ، ومناقشتها مع المخرج والممثّلين والكتابة عنها، وكذلك بالنّسبة للأفلام السّينمائيّة الوثائقيّة.
وإذا كان أحد أهداف النّدوة هو تجميع الكتّاب والمثقّفين المقدسيّين من أجل النّهوض بالثّقافة العربيّة في القدس، فإنّ حضور النّدوة حتى نهاية آذار 1993 أيّ بداية إغلاق القدس ومحاصرتها وعزلها عن محيطها الفلسطينيّ وامتدادها العربيّ، لم يقتصر على المقدسيّيين فقط، حيث كان يحضرها أدباء ومثقّفون من بقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة أمثال الشّاعرة الكبيرة المرحومة فدوى طوقان، والشّاعر الدّكتور المرحوم عبد اللطيف عقل، والرّوائي المرحوم عزّت الغزّاوي، والشّاعر المرحوم عبد القادر العزّة، والدّكتور محمود العطشان، والدّكتور المرحوم عيسى أبو شمسية، والرّوائي احمد رفيق عوض، والشّاعر المتوكّل طه ، والدّكتور ابراهيم العلم وآخرون. وذات ندوة حضرها الأديب خالد جمعة والشّاعر عثمان حسين من قطاع غزة، والشّاعر باسم النّبريص أيضا.
كما أنّ عددا من المبدعين الفلسطينيّين في الدّاخل الفلسطينيّ حضروا النّدوة، وتمّت نقاشات بعض نتاجاتهم الابداعيّة ومنهم:الشّاعر القاصّ المرحوم طه محمد علي، الأديب سلمان ناطور، مفيد مهنا، رياض مصاروة، راجي بطحيش، رجاء بكرية، عرين مصاروة، أنوار سرحان، نزيه حسّون، كاملة بدارنة، وفاء عيّاشي، سوسن غطاس، وعناق مواسي، بل إنّ الأديبة الشّابة نسب أديب حسين ابنة الرّامة الجليليّة تواظب على حضور النّدوة منذ حوالي ثماني سنوات.
ومن أهداف النّدوة أيضا هو الأخذ بأيدي المواهب الإبداعيّة الشّبابيّة، حيث يستمع الحضور لإبداعاتهم ويقيّمونها ويوجّهون أصحابها نحو الرّقيّ الابداعيّ .
ومن اللافت للانتباه أنّ النّدوة قد تمأسست، وتكاد تكون النّدوة الثّقافيّة المُمأسسة الوحيدة على السّاحة الفلسطينيّة، بل على السّاحة العربيّة، وهي النّشاط الثّقافي الأبرز في القدس، حيث أنّها مستمرة منذ آذار – مارس- العام 1991 بشكل أسبوعيّ دوريّ دون انقطاع، وعندما انتشرت جائحة كورونا في بداية العام 2020 توقّفت الندوة لبضعة أشهر لاستحالة انعقادها لأسباب صحّيّة، لمنّها ما لبثت أن عادت بلقاءات عبر تقنيّة “زوم” الإلكترونيّة، ويحرص الكتّاب والمثقّفون المقدسيّون الفلسطينيّون على حضورها بدافع ذاتيّ، لإيمانهم بأنّ كلّ فرد فيها سيستفيد بتنمية قدراته الثّقافيّة والإبداعيّة، حتّى أنّ البعض يترك عمله من أجل حضور النّدوة.
ويكفي النّدوة فخرا أنّها تقوم بالتّعريف على الكثير من النّتاجات الثّقافيّة المحليّة والعربيّة فور صدورها، وكثير من المخرجين المسرحيّين يعرضون (بروفاتهم) الأخيرة أمام روّاد النّدوة، ويستمعون إلى ملاحظاتهم وانتقاداتهم قبل أن يعرضوها أمام الجمهور، وقد صدر عن النّدوة كتاب تسجيليّ توثيقي بذلك تحت اسم “أبو الفنون”.
وكثير من الكتّاب والأدباء يعرضون إبداعاتهم على عدد من روّاد النّدوة؛ ليعطوا ملاحظاتهم عليها قبل نشرها، ويعدّلون ويصحّحون ابداعاتهم بناء على ذلك، وسبق للنّدوة أن ناقشت عشرات كتب الأطفال المحليّة والمترجمة عن الأدب الاسكندنافي، والتي وزّعتها مؤسّسة دياكونيّا السّويديّة على تلاميذ المدارس في فلسطين وبعض الدّول العربيّة.
والنّدوة تعنى بمواهب الشّباب الابداعيّة، فتأخذ بأيديهم وتوجههم، وتستمع لهم من أجل صقل مواهبهم وتنمية ابداعاتهم. وقد انطلق من النّدوة “دواة على السور” وهي نشاط ثقافيّ شبابيّ بادرت به رائدتا النّدوة نسب أديب حسين، ومروة السّيوري.
ونظرا لاستمراريّة النّدوة ومواظبتها وجدّيّتها، فقد أصبحت قراءاتها واصداراتها المنشورة في العديد من الصّحف والمواقع الألكترونيّة المتخصصّة، مرجعا للطّلبة والدّارسين في الكثير من الجامعات المحليّة والعربيّة.
دواة على السّور:
وقد انبثق عن النّدوة نشاط ثقافيّ شبابيّ شهريّ هو: دواة على السور، أسّسته عام 2011 الشابتان المبدعتان نسب أديب حسين ومروة السيوري، وتعقد نشاطاتها شهريّا في أماكن مختلفة في القدس وغيرها من الأراضي الفلسطينيّة، حيث يجري تجميع المواهب الشّابة في مختلف مجالات الابداع، والاستماع إليهم وتوجيههم، والأخذ بأيديهم.
تاريخ:
ومن ذكرياتي عن ندوة اليوم السّابع حرص الشّاعرة الكبيرة فدوى طوقان على حضور النّدوة بشكل شبه مستمرّ، كانت تأتي غالبا بصحبة الشّاعر المرحوم عبد القادر العزّة، الذي كان يستضيفها في بيته في بير نبالا شمال القدس، وقد حدّثتنا عن لقائها بزعيم الأمّة الرّاحل جمال عبد النّاصر، وكيف قال لها بأنّه عرض عليه الانسحاب من سيناء مقابل انهاء حالة الحرب مع اسرائيل، وأنّه أجاب:
أوجاع الشّعب الفلسطينيّ في الأراضي المحتلّة أكثر أهمّيّة عندي من رمال سيناء.
كما عزفت لنا ذات أمسية على العود بعد الحاح منّا عليها، عندما علمنا منها أنّها تجيد العزف على العود، لكنّها –كما قالت- لم تمسك العود بيديها بعد حرب حزيران 1967، ووقوع ما تبقى من فلسطين تحت الاحتلال.
وفي النّدوة تشجّعت بعض الأقلام على نشر نتاجها الأدبيّ، بعد أن شاركوا في النّدوة، واستمعوا إلى نصائح بعض روّادها، ومن هؤلاء المرحوم الشّاعر عبد القادر العزّة، الكاتب سمير الجندي صاحب دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس، مروة السّيوري، الشّاعر بكر زواهرة، الرّوائي عيسى القواسمي، الرّوائي عبدالله دعيس، الشّاعر رفعت زيتون، نعيم عليّان، رائدة أبو الصويّ، وغيرهم.
وخصّصت الندوة العام 2005 جلساتها لأدب الأطفال، وركّزت في نقاشاتها على أدب الأطفال الإسكندنافي المترجم إلى اللغة العربيّة، والصّادر عن دار المنى في ستوكهولم، والذي وزّعته مؤسّسة دياكونيّا السويدية في الأراضي الفلسطينية والدّول العربيّة، وصدرت النّقاشات في كتاب تسجيليّ “في أدب الأطفال” وتمّت ترجمته إلى اللغة السويديّة.
وفي صيف العام 2011 زارت السّيّدة منى زريقات هيننج، وكاتب أدب الأطفال السّويديّ أولف ستارك النّدوة، واجتمعا مع عدد من أعضاء النّدوة، حيث شرحوا لهم عن الأوضاع في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، خصوصا جدار التّوسّع الاسرائيلي، وما يسبّبه من معاناة للشّعب الفلسطينيّ، وعن تاريخ ندوة اليوم السّابع، وقد أشاد السّيّد ستارك بالنّدوة ووصفها بأنّها النّدوة الأسبوعيّة الممؤسسة والمستمرة في العالم جميعه، وعندما عاد إلى بلاده كتب بناء على تلك الزّيارة قصّة الأطفال”الصّبيّ والصّبيّة والجدار” والتي صدرت في نفس العام باللغتين العربية والسويديّة مزيّنة برسومات أنّا هيجلند عن دار المنى في ستوكهولم.