شتان ما بين الجهل، والجهالةِ
خالد رمضان | تربوي مصري – سلطنة عُمان
قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
إني نظرتُ إلى الشعوبِ فلم أجد
كالجهلِ داءً للشعوب مبيدا
الجهلُ لا يلدُ الحياةَ مواتُهُ
إلا كما تلدُ الرمامُ الدودا
يُصابُ الكثيرُ بأدواءَ كثيرةٍ، ولكن أشدّ هذه الأدواء داءُ الجهل .
إذ كيف نرقى، ونرتقي وسطَ عالمٍ يزخمُ بالعلم، والتكنولوجيا الحديثة ؟!
ولكني لن أتحدثَ عن الجهلِ، فقد يكون الإنسانُ مُكرَهًا عليه، إنما أتحدث عن ما يُسمّى بـ( الجهالة)، وهل هناك اختلافٌ بينهما؟
نعم ثمةَ خلافٌ رهيب، فشتان بين النور والظلماء.
قد يكون الجاهل معذورًا في جهله فلم تُتَح له فرصةُ التعليم، ولكن ليس بيديه، إنما من يتصفُ بالجهالةِ فهو شخص متعلمٌ مثقفٌ ،فقد يكون جامعيا، أو موظفا كبيرا، أو مهندسّا مميزًا، أو أستاذًا في جامعة، أو أو أو، ولكن حظَه من الفهم ضئيلٌ.
أفعاله أفعالُ حمقٍ، وأباطيل.
ترى فيه من البذاءةِ، وسوءِ الخُلُقِ ما لا تراه فيمن نسميه نحن: أميًّا.
إن الخلقَ زينةُ العلمِ، فحينما سُئلت السيدةُ عائشةُ – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قالت: كان خُلُقُه القرآن.
فلم تصفْه بالعلم، ولا ارتفاع منزلته بسبب نبوته، ولا تفرّده عن غيره بحسن خِلقتِهِ، إنما وصفته بحسن الخُلق، وكذلك ما مدحه رب العزة سبحانه وتعالى إلا بحسن الخلق.
اسمع .
– طبيبة تطلبُ الطلاقَ من زوجها الطبيب، ولمَ؟! لأنه يتحدث العربيةَ، وهي تود الإنجليزية، فهو يعود بها للوراء.
– ابنٌ يرفع صوته على والديه في كِبرِهما. وشابٌ يقتل فتاةً في وضح النهار لأنها لا تريده.
– زوجٌ يعايرُ زوجتَه لأنها لا تنجبُ إلا بناتٍ. وإخوةٌ لا يُورّثون البناتِ بحجة أن أموالَهم لا ينبغي أن تذهب للغرباء.
منافقون متملّقون يصلون على أعناق إخوانهم الأتقياء.
– تاجرٌ يغشُ، ويحتكرُ، ويبدّل، ويغيّرُ معللا ( التجارة شطارة).
– صانعٌ يُمرّرُ الساعاتِ دون إتقانٍ لعمله.
– طالبٌ يسهرُ الليلَ كلّه يُفكّرُ ويُدبّرُ طرقا للغش يستحيلُ ضبطُها.
– امرأةٌ تخونُ زوجَها إلكترونيًا وتقول (ده كلام ).
وموظّفٌ يؤدّي الصلاة كما ينبغي أن تؤدّى، ولكن وقت عمله فقط؛ حتى سائق التوك توك يجلس بسرواله القصير رافعًا صوت الكاسيت، ودون حياءٍ، ولا خجل بأقذر المسموعات، وأناسٌ يجلسون على قارعة الطريق لا يتركون امرأةً تمر دون أن يوقعوا على مرورها بأم أعينهم، ونساءٌ على أعتاب المنازل يرصدْن الداخلَ، والخارجَ، ويسردْن لك ال ( سي في ) لهذا الشخص، وتاريخ حياته.، هذه هي الجهالةُ في أحقر معانيها، وكلٌّ منا يحتاج نبيا مرسلا كي يقوّمَ سلوكه، وللأسف لن يستطيع.
أثناء تصحيح الثانوية العامة جلست بجواري معلمةٌ مسنّةٌ أكل الزمان عليها وشرب، فلم يتبقَ لها إلا بضعةُ أشهر وتُحالُ للتقاعد، ومن خلال حديثي معها عرفت أنها أمٌّ لثلاثة أبناء، طبيب مسافر مع زوجته وأولاده، وكيميائة متزوجة، وشاب مهندس يعمل في إحدى المحافظات، وزوجها مُتوفّى، وكنا في شهر رمضان المبارك، فقلت لها: أتعيشين بمفردك؟ فبكت حتى أبكتني.
تخيل كيف تعد طعامها بنفسها، ثم تجلس هي والأطباق لا أنيسَ، ولا جليس، وكيف إذا أصابتها غيبوبةٌ للسكر، أو ارتفاعٌ في الضغط، من ينقذها؟! ثم كيف تهون على أبنائها وهي في هذي السن؟! عمّ تتحدثون؟!
هذه هي الجهالةُ الجهلاء، والضلالةُ العمياء. ماذا صنعتِ الشهاداتُ، والشاراتُ، والأوسمةُ لأُناسٍ تجرّدوا من إنسانيتِهم؟ إننا نأملُ أن نندفعَ للأمامِ علميًّا، وثقافيًّا، وفكريًّا، لكن يا ليتنا نعود للوراء خلقيًّا، وسلوكيًّا، واجتماعيًّا.
حفظ الله بلادنا، وأوطاننا، وأهلنا