بيداغوجيا الحب في التعليم بين الواقع والتحديات
حياة حسين البوسالمي | كاتبة وتربوية تونسية
{ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.. قبل الولوج والدخول في أهمية بيداغوجيا الحب في التعليم، يجدر بنا الوقوف عند تحديد مفهوم البيداغوجيا التي هي في الحقيقة دخيلة على اللغة العربية مفهوما وممارسة، فأصل هذا اللفظ يوناني مكون من شقين؛ الأول بيدا: تعني الطفل، والثاني غوجيا: تعني القيادة والتوجيه، ويقصد به بالذات كل ما يفعله المدرس للتأثير بشكل إيجابي على تعلم المتعلمين, هنا لايمكن فصل هذا المفهوم عن الحب بل إن الحب هو أساس وسر نجاح هذا التوجيه وهذه القيادة، إذ رغم ما ينجزه المعلم اليوم من حضور ورشات تكوينية وإجادته للتكنولوجيا الحديثة مواكبة لواقع المتعلم الذي صار فيه العالم قرية صغيرة، مازالت هذه الفجوة قائمة بينه وبين المتعلم. هناك تغافل عن أن العلاقة بين قطبي العملية التربوية هي علاقة تخترق اغراء المتعلم بالتكنولوجيا والألعاب وإن كانت جزءا لا يتجزأ منها، إلا أن الحوار بين طالب العلم وأستاذه ليس حوارا عقليا فحسب بل هو حوار القلب قبل العقل. قل ما يتفق العقل والقلب ولكن في المجال التربوي ‘ يصبح انسجامهما واتفاقهما سر نجاح التعلم، الم يعترف سقراط بأعلى صوته للأم التي أرادت تدريس ابنتها عنده أنه لا يمكن أن يعلمها والسبب{ إنها لا تحبني},
يحتاج المتعلم إلى حب معلمه وإلا لن يتقبل ولن يقبل منه أي قيادة فالقائد الحق هو من يخترق قلوب جنوده قبل أن يطأ ساحة الوغي‘ إذ بمجرد حبهم له تصبح المعارك رغبة والانتصار هدفا والموت من أجل المعرفة شهادة,. كفانا دورات ومؤتمرات نضخم فيها وضع المتعلم ونحمله فشل العملية التربوية بحجة أنه عقل ابتلعته التكنولوجيا أو بحجة إنه جبل الانترنت، كفانا التندر بجهله على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن العيب الفاحش تجاوز قيمة الحب والتعامل باستبداد مقيت، وحين نقول ذلك فإنا نعنيه بكل ما تمثله هذه القيمة من أهمية في التدريس وإحداث التغيير الإيجابي الفعال في المتعلم، أي أن العلاقة القائمة بين المدرس والمتعلمين لابد أن تقوم على الحب، فعبر عملية رياضية إذا أحب المتعلم معلمه، أحب المادة وأقبل عليها اقبال العاشق لمعشوقه.
إن بيداغوجيا الحب أكبر حافز للمتعلم فكريا ووجدانيا. فالحب هو إيمان الذات بقدرات الآخر وحملها على الابداع فلو لم يحب عنترة عبلة لما تولد النص الشعري ولما رأى جنين الابداع النور. نحن لا نقبل على الأمر إلا إذا رغبنا فيه وازددنا شغفا به، كذلك العملية التربوية… قد لا نبالغ إذا قلنا أنه آن الأوان للاهتمام بهذه البيداغوجيا التي ستسير بالتعليم قدما جودة وتوازنا.
وأخيرا وليس آخر مانقول في بيداغوجيا الحب، على المعلم أن يحب العلم الذي يمرره للمتعلم وأن يسكن هذا المتعلم بين جوانح قلبه’ إن القادم إليك لينهل العلم لا هو بالرجل الآلي ولا بالبسيط في الأفكار، إنه قلب يافع وعقل يسكنه هاجس التحليق عاليا وبالحب سينمو ريش يطير عاليا. قد أختم وأقول انطلاقا من تجربتي المتواضعة في التعليم: ما استطعت يوما دخول الفصل إلا إذا شعرت بحبي لما فيه ’ وما تلذذت شرح النصوص وتحليلها إلا إذا أخبرتني عيونهم بحب لي وللمادة.
قبل أن تدخل الفضاء التعليمي التعلمي، توقف قليلا وتريث ، تذكر أنك بصدد بناء جيل الغد…. لا تنسي أن امتلاك قلوبهم هي الخطوة الأولى لنضج عقولهم. تذكر أن التدريس فن والفن يولد من الحب والحب يخلق المعجزات…. لا تفكر كثيرا في ما مقابل ذلك,…. بل تذكر أنك نبي مغاير لكل البشر تحمل رسالة ربانية { اقرأ} ، هذا الخطاب الذي جمع بين الأرض والسماء ….تذكر الآية التي أسميها آية بيداغوجيا الحب خاطب فيها رب العباد معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم{ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.آل عمران 159