حرية التعبير في القانون الأساسي الفلسطيني والمواثيق الدولية
الدكتور حنا عيسى | أستاذ القانون الدولي
في الآونة الاخيرة من عصر التكنولوجيا يزداد الحديث عن الحريات العامة والتي بدورها ترسخ التطور الانساني استناداً الى مفهوم حرية التعبير والتي اصبحت مفهوم نظري استيعابي لكثير من الحالات وعلى مختلف المستويات في ظل التفاوت الاجتماعي – الطبقي لمفهوم عالمنا المعاصر برمته.
ان دخول البشرية القرن ال 21 هو بمثابة قفزة تاريخية – اقتصادية تلبي في مجملها التطور الحضاري الثقافي للإنسانية وفي نفس الوقت تصون الحقوق والحريات بمختلف الوانهم وأجناسهم وانتماءاتهم.. حيث المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م تؤكد على ان ” لكل شخص الحق في الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الراء دون اي تدخل، واستقاء الانباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كان دون تقيد بالحدود الجغرافية “.. وهنا تأكيد على عنصر الشمولية لمجموع البشر بشكل عام وتطوير لمفهوم حرية التعبير وتدعيم لعناصر الديمقراطية والتي من خلالها يتم تعدد الآراء نحو التطور.
وجاءت المادة 19 من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته لسنة 2005 لتقول لا مساس بحرية الرأي، ولكل انسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او غير ذلك من وسائل التعبير او الفن مع مراعاة احكام القانون” … وهنا تأكيد على صون حرية التعبير، لكن ضمن ضوابط يجب على الشخص التقيد بها وإلا تعرض للمساءلة القانونية. فحرية التعبير لا تعني ان اقول ما اشاء بمعنى اخر يجب ألا اقول كل ما اعرف، بل يجب ان اعرف كل ما اقول.
والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م تؤكد: –
لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. لكل إنسان حق في حرية التعبير … الخ وهذه المادة جاءت بنصها الكامل أكثر المواد القانونية المتعلقة بحرية التعبير تفصيلاً وتفسيراً، حيث اكدت على احترام الاخرين او سمعتهم اولاً ولحماية الامن القومي او النظام العام او الصحة العامة او الآداب العامة … وهنا اشارة واضحة بالنص تقول بان حرية التعبير يجوز اخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة ان تكون محدودة بنص القانون وان تكون ضرورية كما تم ذكره اعلاه.
وتؤكد كذلك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في مادتها العاشرة الفقرة الاولى على انه “لكل انسان الحق في حرية التعبير… الخ. واتفاقية حقوق الطفل في مادتها الاثنا عشر تنص على ان “يكون للطفل الحق في حرية التعبير … الخ.
إذن معظم المواثيق الدولية ودساتير الدول تؤكد على حق كل انسان في حرية التعبير.. لكن هذه الحرية إلى جانب انها مصانة هناك ضوابط يجب الاخذ بها والتقيد والالتزام وإحاطة الناس بما هو مسموح في حرية التعبير وما هو ممنوع إذا كان يهدد الرأي العام او الامن القومي.
من هنا تقع مسؤولية كبيرة على كافة المنظمات الاجتماعية في المجتمع الواحد لبلورة وتوعية المواطنين حول حرية استعمال التعبير من خلال كافة الوسائل المتاحة للجمهور للحيلولة دون الوقوع في الاخطاء. فموضوع الاشاعة على سبيل المثال باسم حرية التعبير إذا كانت لم ترتكز الى اثباتات حقيقية ومادية وصحية تتحول الى جريمة ليست بحق الشخص ذاته بل المجتمع ككل من خلال تناقل هذه الآفة الخطيرة.