قراءة في كتاب “شذَراتُ الصّفيحِ” للكاتب: حسين شاكر
بقلم: رفيقة عثمان
صدر كتاب “شذراتُ الصّفيح” للكاتب الفلسطيني حسين شاكر، الصّادر عن مكتبة كل شيئ للطّباعة والنّشر – حيفا، كما رسم لوحة الغلاف الفنّان محمد شريف، ومن تصميم شربل إلياس؛ ويحتوي الكتاب على ثمانٍ وأربعين صفحة من القطع المتوسّط، وتناول الكاتب ستّة وثلاثين عنوانًا للشّذرات، وقدّمت المقدّمة الأديبة السّوريّة: أميمة الحسن.
استخدم الكاتب أسلوب الرّمزيّة، والتّلميح في الكتابة؛ لتجسيد الأحداث الواقعيّة والخياليّة؛ ليتيح للقارئ فهم وتحليل ما يقرأه، برأيي هذا النّوع من الكتابة بحاجة لقرّاء ذوي خبرة ومعرفة بالحياة السّياسيّة والاجتماعيّة، ولا يتقن تحليلها وفهمها الفتيان لوحدهم دون مساعدة من البالغين.
تعريف الشّذرة في معجم المعاني الجامع: الجمع شُذُور، شَذَرَاتٌ، واحدةُ الشّذْر. شَذَرات الذّهب: القطع المُلتقطة من معدنه.معنى شذرات أدبيّة: نبذة فقرة أو مقطع نص تعبيري يحتوي على أكبر عدد ممكن، من الأفكار في أقل عدد ممكن من الألفاظ. معنى الصفيح في قواميس ومعاجم اللّغة العربيّة: جمع صفيحة: رقائق من الحديد تُستعمل في صنع الأوعية أو أغراض مختلفة.
وُصفت لغة الكتاب، بلغة عربيّة فصيحة، تكاد تخلو من الألفاظ العاميّة، لغته جزلة، ذات صياغة سلسة وسهلة، ذات السّهل المُمتنع.
إنّ اختيار الكاتب شكري للعنوان كان موفّقًا؛ حيث جمع بين الشَذرات والصّفيح؛ تعبيرًا عن النصوص الأدبيّة الّتي كتبها الكاتب في كتابه، فكلّ شذرة عبارة عن نص تعبيري نافذ، وقوي مثل قطعة الصّفيح، أي مختارات مختلفة ومتنوّعة لأفكار وخواطر، ذات نقد لاذع، وشديد التعبير في حجم صفحة، أو صفحة ونصف لا أكثر. قليل التعبير والألفاظ، وشديد التأثير.
وظّف الكاتب الشخصيّات الحيوانيّة في معظم الشّذرات، كرموز للشخصيّات الإنسانيّة وسهولة التعامل معها، وإسقاط الأحداث عليها، خاصّةً عند التطرّق للمضامين السّياسيّة والاجتماعيّة.كما ورد في شذرة “أبو شحادة” صفحة 34، و “إعوجاج” وغيرها.
استخدم الكاتب أسلوب الحوار، والحوار الذّاتي في معظم الشّذرات، ممّا أضاف جماليّة ومتعة في القراءة؛ كما ورد في شذرة “تفانٍ” و “الّلا إنتماء” و”استقبال”؛ وكذلككان صوت الرّاوي بضمير الأنا في معظم الشذرات؛ ممّا أضفى مصداقيّة في سيرورة السّرد.
استعمل الكاتب بعض التّناص الدّيني، كما ورد في شذرة “الأعور” صفحة 60 “ارتطمت أفكاري بإرم ذات العِماد”بالتناص مع آية ” ألم ترَ كيف فعل ربّك بعاد، إرم ذات العِماد” سورة الفجر – الآية 6-8.
برأيي تعتبر هذه الشّذرات إبداعًا أدبيًّا من إبداعات الكاتب شاكر؛ حيث طرح عددًا من الشذرات المُكثّفة فكريًّا ولغويًّا، وما تحتويه من مضامين: سياسيّة، واجتماعيّة، وإنسانيّة، فيها الحكمة والعبرة والموعظة؛ واقترح على الكاتب بتسمية العنوان ب: “الشّذرات الذّهبيّة”؛ نظرًا لجماليات الصّياعة والتعبير، والنقد البنّاء اللّاذع، الّذي يغلب عليه حس السخرية والهزل والمُفارقة، وجمالية التّناقضات. هذا بالإضافة لتضمين عنصر الخيال الواقعي في بعض الشّذرات، كما ورد في شذرة “دوّامة”صفحة 26 “قبل أن تأتيني الغفوة سمعت دويًّا، واستقرّت في صدري رصاصة، أثناء الجنازة رأيتُ الشّخص يتقدّم المُشيّعين”. وكذلك في شذرة “استقبال” وغيرها.
هذا النصوص النثريّة الأدبيّة “الشّذرات” راقت لي جدّا، فهي مواكبة لتطوّرات العصر الحديث، والقراءة السّريعة، مع توصيل الفكرة الأساسيّة بالقليل من الألفاظ والتعبير، بما يشابه الأفكار المُفبركة، أي ما قلّ ودلّ… هنيئًا للكاتب على هذا الإبداع الجميل والمُتميّز.