حجري القسري

عبد الغني المخلافي | اليمن

عدت من غربتي ألتقط مدة ثلاثين يوما فقط، وأعاود إلى الغربة المؤبدة الكرّة. ككل يمني ما أن  يخطو خطوته الأولى، في  الدرب هذا – حتى يستمر  إلى ما لا نهاية.

بالشوق  واللهفة والألم وجدت وطني بالمواجع  يغصّ إلى رأسه. وسط ظروف معقدة علي – مع الأهل أن أنعم .وأصدقاء تركتهم لأعود أجدهم بقايا أناس وأنا شبه ميت بالنسبة إليهم . الغياب جعلني منسياً. لم يعد وجودي  يعنيهم.

 كنت حين اعترضني  كورونا على وشك العودة، من فترة إجازتي. وجدتني منقطعا عن مكان عملي ومصدر رزقي. في حجر قسري بين أهلي. بقائي طويلا  لا يحتمل، بعد أن دفعت حصيلة عامين رسوم إقامة في المهجر.

أنا أمام حجر ليس له عمر محدد، يتطلب مواجهة الفراغ والبقاء في نشاط يبدد مللي  ورتابتي.

أصحو – حتى لو كانت ساعات نومي قصيرة. على سطح منزلي مبكرا أشهد بزوغ الفجر . أعد طعام العصافير برفقة أبنائي الصغار: نزار، ونيسان، وبلقيس. .أعيش أيام الربيع المزهر وغزارة المطر. حتى العاشرة أمكث. إلى القراءة أنزل ساعتين . أتناول وجبة غدائي. آخذ قيلولتي حتى الرابعة عصرا. أذهب  في الحقول والهضاب. أحياناً. أجلس في ركن سطحي الملهم أمضغ القات . أشاهد جبل القرية المخضر . بحرية أطلاق نظري . إلى ذهني تقفز  فكرة  أسرع في اقتناصها.  أتوج بنص جلوسي. أكون سعيدا. بروح منتشية أهبط إلى الأسفل . أراجع ما كتبته. أتصفح” الفيس بوك ” والواتس اب ” في إلتمام العائلة أسهر . يداهمني النعاس. أكون قبل الفجر  مستيقظا .

طوال أسبوعي على هذا المنوال. أتعمد استغلال جلسة قاتي منفردا بالقراءة و الكتابة. مخصصا مقيل يوم  الجمعة لأصدقائي وأقاربي ، حتى لا أبدو في نظرهم  تغيرت، وأصبحت منطويا، بعدما صرت أجد متعة انفرادي مع الكتب  وتجنبي إهدار الوقت  في مواضيع لا يستفاد منها عدا الشعور بالذنب والقرف لكثرة الخوض في النميمة كعادة مجتمع القرية .. الأشخاص هم الأشخاص على مدى اللقاءات، من الصعب أن تجد من يعيش نفس ميولك وتوجهك، وإن وجدت يكون بعقلية سلفية وتقليدية. وعدم تفهم. بإقصاء ينظر إليك. َ

مع الوقت تجد نفسك عن الجميع في منأى  متخذا اجتماعك بأفراد عائلتك وعزلتك مكانا محببا لطقوسك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى