سأحفرني

هاني الحجي | السعودية
قررت أن أحفر نفقا في داخلي.. كما يحفر المحاربون في المعارك أنفاقا للوصول لأهدافهم؛ وضرب مواقع خصومهم ، لأني أعتبر داخلي ساحة معركة تتصارع فيها روحي وجسدي معركة يحتدم وطيسها بين وقت وآخر . لايقيدها زمان وتكاد تدمر المكان في جسدي، لذا قررت أن أحفر خندقاً في داخلي لاكتشفني، وأعبر من خلاله إلى أعماقي .
سأتسلل من النفق إلى مناطق مظلمة فيّا علّني أنيرها. وسأصل لجزر مهجورة في داخلي ؛ وأحاول أن أحييها.

كانت مفاجأة وأنا أحفر النفق لأعبر إلي ّ . وجدت جماجمَ أصدقاء كنت أعرف ملامحَهم من بقايا عظامهم؛ وذئاب بشرية تنهشني. وجدت أصدقاء كالنجوم تحاول أن ترشدني من صحرائي لمدني، وتنقذني من غرقي لشاطئ الطمأنينة .
وجدت أجساد نساء طرية مررن بخيالي ذات لحظات من عمري المهدر عشتها قبل أن أحفر في داخلي .
وجدت مدنا دمرتها معركة الروح والجسد . كنت صريعاً أنزفني مضرجاً بجراحي بين جيشين جرارين مدمرين: جيش جسدي ، وروحي .
رأيت أبراجاً من أمل بُنيت على أنقاض الهزائم التي دمرتها سنواتُ المعارك الطاحنة.
في داخلي معركة قوية تصارعت فيها كل المذاهب لتدميري وتحطيمي وسحق إنسانيتي بفايروس الطائفية ، وأمراض الكراهية . لكنني هزمتها ، و طردتها من مدني و دمرتها بأحدث أسلحة الحب ، ومدافع التسامح ورشاشات التعايش في داخلي . وبدأت أبني قلاع ذاتي . أسستها بقواعد الإنسان ، وصببتها بخرسانة حب الكون والحياة .
أسميته حصني وانتمائي لذاتي المبعثرة. وجدتنُي في داخلي مبعثراً. حاولت لملمتي وجمع بعثرتي لأعيدني لنفسي . حاولت أن أجمعني من بين الشظايا . ومن تحت الركام بعد معارك طاحنة كادت أن تدمر داخلي . النفق مظلم وطويل لا أدري إلى أين سيأخذني . أعضاء جسدي تتربص بي، و تحاول أن تحرقني بشهواتها ، وروحي الطائرة تريد أن تنقض علي كصقر لتطيّرني في فضاء مجهول من هذا العالم
اه……تعبت مني ومن الدخول في هذا النفق . طويل بطول الحياة وكبير بحجم الكون .
أريد أن أصل حتى نهايته لأجدني أتوسد صدر والدتي ، وأنقذني مني وأحملني على سماء ذاتي. لن أضيعني . سأجدني في سورة الكهف . سبحان من ركب جسدي وصب فيها روحي .
سأجد روحي حتى لو بين جناحي طائر . لن أتبعثر في هذا الكون . سأحفر فيّا بكلي وبكاملي
حتى تجري في داخلي الأنهار، وأزرع في مدينة قلبي التين والزيتون والرمان
ماأبعدني عني وما أقربني مني !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى