البنية الشعرية في ديوان “أربع عيال وقلب” للشاعرة جيهان النجار
طارق عبد الفضيل | شاعر وناقد مصري
تأتي هذه الدراسة ضمن فعاليات مناقشة ديوان “أربع عيال وقلب” للشاعرة جيهان النجار الاثنين ٢٠ يونيو ٢٠٢٢– فرع نقابة اتحاد الكتاب بالمنصورة.
يتكون الديوان الصادر عن ثقافة الدقهلية والفائز بالجائزة الأولى في مسابقة النشر الإقليمي ٢٠٢٠م، يتكون من ٣٩ قصيدة من شعر العامية المصرية.
العنوان:
“أربع عيال وقلب” هو تعديل لعنوان قصيدة “قلب واربع عيال” وهي القصيدة رقم ٢٠ في ص ٥١-٥٣
الأربعة عيال هم: آية –محمد–حسام– أسامة وهم أبناء جيهان النجار، والقلب هو قلب جيهان النجار الذي اعتبرته ابنها الخامس الذي ترعاه كما ترعى أبناءها الأربعة.وتخاطبه “عشان خاطري حبيب ماما” و “عشان خاطري يا قلبي البكري”
وسيظل قلب جيهان النجار معنا طول الديوان من القصيدة الأولى إلى الأخيرة؛ بينما أبناءها لا يظهرون إلا في قصيدة “وكأنك مش موجود” ص٨٤ حيث تخاطب ابنها “يا صورة طبق الأصل/ لقلبي/ يا كل ملامحي/ ثم تقول :
“ولا كلمة أمي نغمة في / لحن العود” وتختم: “امتى لحضني تعود”
وتختم الديوان كله بذكر أبنائها في قصيدة “كلام وحديث” ص٩١/٩٢:
“وقفشتني وانا خايفة/ على كبدي/ ونن العين حوالي”
وتخاطب والديها في إطار القصائد العائلية في قصيدة “يموت فيكم” ص٨٩
تقول: “وباذكر ربنا فيكم / تشوفو البر ف عنيا / أشوف الفرح ف عنيكم”
ومن القصائد التي تنضم إلى هذه القصائد، قصيدة “كت فريدة” ص٣٣ التي تبكي فيها جيهان النجار صديقتها فريدة ومطلعها “لما كنت اخش بيتها” والتي تقول فيها: “صاحبتي زهقت وماتت / حذرتني م الحياة الضحكة اللي فاتت” وتقول: “بعد منك يا حبيبتي قلبي غير/ عمري غير/ حتى روحي يا فريدة سايبة جسمي ف السرير.”
وفي قصيدة “من سابع دور ص٣٦” تحكي قصة فتاة بريئة خدعها ذئب بشري: “ورماها الحظ من الصورة/ من سابع دور/ بلية بتدحرج وبتجري/ من فوق السور/ وقعت في الحفرة المحظورة.”
وفي غير هذه الحالات القليلة احتل قلب جيهان الديوان كله. وهي تشكو الهجر وتخاطب حبيبها مستعطفة، تعده بالحب وبحياة هنيئة في ظل حبها الظليل فمنذ اللحظة الأولى وفي قصيدة “خللي الطابق مستور ص٥” تخاطب حبيبها الذي قرر الهجران: “ومن فضلك ياريت يعني/ دا لو كان لسه فيه خاطر / بلاش اسمي يكون ف الجملة بعد علامة استفهام/ صحيح مافاضلش بينا كلام …”
والواو في أول جملة في أول قصيدة في أول صفحة من الديوان تعني أن هذا ليس أول الحكاية وأننا نكمل ما كانت بدأته هي مع حبيبها.
وفي قصيدة “تحياتي وبالتوفيق” ص١٤ تقول:
“ما دام اخترت طعم الليل/ ولون الهجر مكان الفرح والحنة / براحتك يا خليل الروح.”
جيهان
عندما أقول جيهان النجار قالت فهذا للاستسهال لأني أؤكد على معادلة أنا لا يساوي الشاعر؛ وإنما أنا = الراوي، لكن جيهان جعلت من جيهان موضوعا؛ وربما هذه المحطة هي أفضل ما في الديوان.
في قصيدة “سنة خامسة” ص٢٣ تواجه جيهان جيهان: “إلى البت اللي وحشاني / صديقتي بتاع سنة خامسة.”
وتتضح الصورة أكثر عندما تقول: “مهيش أختي / ولا م الأهل والعيلة / ولا حتى من الشارع / لكن عنوانها عنواني.”
وعندما تقول: “يا ساكناني/ يا مالكة فيا م الجهتين / وجواني وبراني”
وفي القصيدة التالية لها “صاحبتي ص ٢٦” تخاطب الموجة: “تعالي قربي مني / يا موجة يا صاحبتي ياللي / عنيها الحلوة من سني.”
ثم تختم: “عشان فيكي شبه مني / يا هبلة الشط فيه موتك”
وفي قصيدة “جيهان” ص ٥٨ تواجه جيهان جيهان أمام المرآة، تقول: “يا شيخة بصي ف مراية / تعالي قومي ويايا”
ثم تقول: “وبكره تقولي (جي) قالت / وتعرفي إن (هان) نالت”
وأختلف مع الدكتورة أمل درويش التي ترى أن هذا انفصام في الشخصية؛ وذلك في الدراسة التي نشرتها عن الديوان في مجلة النيل والفرات.
فالفصام مرض أما هذا فمواجهة الذات، جيهان في مواجهة جيهان في مونولوج مونودرامي بديع.
لغة الديوان
ديوان مكتوب بالعامية المصرية؛ بالطبع يعتمد العامية المصرية لغة له، وهي سهلة مباشرة .
استخدمت جيهان النجار ألفاظا عامية:
ماتتكاش–تحويشة–دباديب–يلزق ملضومة– يتكعبل–شراعة– قفشته– أطب عليه– مقاريص– ننا–بيشر
استخدمت ألفاظا فصيحة: طوعا – يزعم – مكان جوارك
استخدمت تعبيرات دارجة مثل:
عيش وملح – اللي حاضر يقول للي غاب – هكنس على اللي يعاديك الحسين– قليل البخت مش هيلاقي أصلا شئ– وهاخد سيرتك ارميها ف عين الشمس يطلع ضيها سنة ( تستدعي المقولة المصرية لمن يخلع سنه: يا شمس يا شموسة خدي سنة الجاموسة وهاتي سنة العروسة). وانام على ضحكتك ننا (تستدعي المقولة: نام يا ننا نام) – يا ويلها وسواد ليلها– يا اسمك ايه– يا ندامة – لا كاني ولا ماني– شخط ونطر – سيرتك العطرة– أطب عليه– لا ولع دستتين أفكار – سوق الحلاوة جبر.
الصورة وتشكيلها
جيهان النجار ليست مغرمة بالصورة الاستعارية الجزئية وإن كانت استخدمتها، مثل: وينبت ما بينا شعور – أنا المشبوكة في ملامحك– وهاخد سيرتك ارميها ف عين الشمس– ورماك ف قلبي نمنمة طرحت شجر– فستان بيصبر روحه بحضن/ فيلزق جدا في المانيكان (وفي هذه الصورة قمة تجسيد حالة الفقد التي تعانيها؛ بالإضافة إلى الصورة الاستعارية؛ فإن فيها مشهدا مرئيا لامرأة تتجول وحيدة في الشارع تعاني الوحدة والفقد؛ ثم تقف أمام أحد المحلات؛ محل ملابس فتشاهد التلاصق بين الفستان والمانيكان)، والصورة البديعة في قصيدة (ساعة حيط ص٤١) تقول: “وكان يا ما كان /مفيش صاحبة غير الوحدة/ دا غير أربع حيطان ساكتين/ وسقف بلمبة مكسورة/ ملوش ف الزينة والبلالين/ وفيه برواز بلا صورة / وساعة حيط/ وشيش بينادي يا حبيبتى/ متستنيش لأنه مفيش/ غير القهرة” ؛ ربما تكون هذه أروع صورة/ لوحة رسمتها جيهان في الديوان كله.
الصورة الكلية
اعتمدت جيهان الصورة الكلية التي ترسمها القصيدة بدلا للصورة الاستعارية وحشدت لذلك عدة وسائل :
– الأداء المونودرامي المبهر كما في قصيدة (جيهان ص ٥٨) التي اعتمدت المونولوج المونودرامي لإخراج مشهد مواجهة جيهان/ جيهان .
– المشهد السينمائي مثل مشهد المحاكمة في قصيدة ( في شرع مين ) ص٥٤ تقول:
العدل فين يا أيها الملك اللي سكن مهجتي
كل المشاعر شهدوا إن الشوق برئ
اقبض على هذا الذي عود عيوني ع الدموع
احكم عليه بالعشق واحبس ضحكته/ بين الضلوع/ خد تاري منه هات لي تعويض/ عن فؤادي .
ومشهد سورة يوسف في قولها في قصيدة (روحي فيك ص ٤٨):
لترجع تاني تلحق روحي م القسوة / أنا ولا عندي متكئا ولا سكاكين / ولا عندي من الفاكهة / لا خوخ ولا تين .
– حشد مفردات لرسم الصورة مثل:
• تكرار كلمات: نحت ٤ مرات + خطوط ٥ مرات + نقوش ٣ مرات في قصيدة (تحت العيون ص ٢٨) لرسم لوحة التجاعيد تحت العيون
• كلمات خوارج + دراويش + مريدين + أولع دستتين أفكار – يا بو المقام كسوته … إلخ لرسم لوحة قصيدة ( الخوارج ص٦٣ )
– السرد: نجده مثلا في قصيدة (من سابع دور ص٣٦) حيث تسرد قصة الفتاة البريئة التي سقطت ضحية ذئب بشري.
البنية الموسيقية
يحتوي الديوان ٣٩ قصيدة؛ استخدمت الشاعرة ست تفعيلات كالآتي:
٢١مفاعلتن/ ٥ متفاعلن/ ٤ فاعلاتن/ ٤ فعلن/ ٤ مستفعلن فاعلن/ ١ فعولن
مما يعني تنوعا موسيقيا لا بأس به، غير أن القصائد كلها لا تخلو من سقطات عروضية تراوحت بين القليلة والكثيرة جدا.. فكانت في قصائد كثيرة ممتعة موسيقيا لقبضها على الإيقاع؛ وفي أخرى سقط منها الإيقاع.
في النهاية، قدمت جيهان النجار للمكتبة ديوانا شعريا ممتعا، استفادت في كتابة قصائده من مستحدثات الشعرية التي لجأ إليها الشاعر المعاصر كالدراما والسرد والمشهد السينمائي لإثراء تجربته الشعرية.