حكايا من القرايا.. سداد الطبيخ
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
العرس شغّال في حارات القرية وأزقتها، الرجال يغنون ويرقصون، ويخرجون عن أطوارهم أحياناً… وثلة من النساء يجهزن طبيخ العرس على المواقد… أم العريس مشغولة تماماً… تغني وترقص وترحب بالضيوف وتشرف على الطبّاخات… تركت الزفة وانسلت بسرعة نحو تجهيزات الطبخ… كان الجزء الكبير من اللحم والأرز والمرق قد أنجز… وقد وضع في غرفة، ورُتّب في جاطات وصحون… في انتظار زفّيفة العريس… وبقيت بضع طناجر على المواقد…
لفت نظر الحجة صبحة أم العريس، طفلاً ربما في السابعة من عمره… ربما يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً… حافي القدمين، مبهدل الملابس… ينظر من شباك غرفة الطبيخ الزجاجية إلى صفوف جاطات الأرز واللحم والمرق الأبيض والأحمر… يترك الشباك الشرقي، وينطلق إلى شباك آخر تحت الدالية… فاجأته الحجة صبحة: شو بدّك؟ قل لي؟ حاول الهروب، نادته، لا تهرب تعال… أتى متثاقلاً خجلاً… قال: أنا جوعان يا خالة، أريد آن آكل… فتحت له باب الغرفة… وأدخلته فيها، وتركته يختلي وحده بالطبيخ، وقالت له: كل تا تشبع، وأغلقت عليه الباب، وقالت له: عندما تشبع دقّ الباب حتى أسمعه وأفتح لك…
أكل الولد… ثم أكل… ثم أكل… ويا حدادي طيح الوادي… ولما استوى البطن على سوقه طرق الباب… فتحت الحجة صبحة… صحتين يا ابنيي… شبعت صحتين… وفر الولد كعصفور من قفص… يرفرف بيديه مبتهجا… وصل البيت يلهث: أمي… أمي نادى… ومن حسن حظه كانت الأم قد غادرت الزفة للتو… شو مالك؟ عزا شو صاير لك؟ ليش مبروع يا حسام؟ أمي متى سيتزوج حسن… (حسن الأخ الأكبر) إن شا الله يما يا مندرى بشوفو عريس… بدو خمس ست سنين يمّا… ليش بتسأل؟ يمّا بس يتزوج حسن بدنا نودي سدر رز وسدر لحم وطنجرة مرقة حمرا ووحدة بيضا لدار الحجة صبحة… يما الحجة صبحة فش أحسن منها… خللتني أوكل لحالي….
والحجة صبحة يا غافل إلك الله، والله من كثر شغل الزفة، ما عرفت الولد ابن مين… وحتى نسيت تسأله… وانشغلت بقول: صحتين… صحتين وعافية…
ومرت الأيام… وتوالت الأعوام… وعند عصر يوم من الأيام… سمعت الحجة وأولادها ضرباً على خوخة الباب… خرج ابنها أحمد يستطلع الأمر، فرأى ويا هول ما رأى… امرأة على رأسها سدر مغطى… وأخرى بسدر مغطى آخر… وثالثة تجمل طنجرة… ورابعة بأخرى… تفاجأ أحمد بالمنظر… نادى الحجة التي تفاجأت هي الأخرى… وقالت للنساء أنتو غلطتوا بالدار يا خالتي… هذا مش إنا… وصاحت التي بيدها مغرفة… بل هو لكم… ولكم… ولكم… أم حسن تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر… لقد اتفقت مع ابنها حسام أنها ستخصكم بهذا الطعام يوم عرس حسن… واليوم عرس حسن، وانت يا حجة صبحة راعية الأولية… واحنا بنسد… وراعي الأولية لا يجارى… وألف صحة وعافية…