تعلموا الحب من زينب!

د. محمد السيد السّكي | استشاري تحاليل طبية وكاتب و روائي مصري

ان دوحة الحب والسكينة التي تتسابق إلي رحابها القلوب كعصافير تشتاق إلي كنف اوطانها لهي دار امل وسكينة تعطي عن يدٍ كأس الامان ونظرات الرقي الرصينة.. لقد خلق الله الناس من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن اليها وجعل بينهم المودة والرحمة..فتلك النفس الجزعة كعصفور يبغي دوحته ويشتاق لأليفته.
ولقد أودع الله في النفس البشرية الحنين للاليف والسعي بمنطق المكمل لمن تشعر معه هذه النفس بالطمأنينة وترتاح بين ذراعيه لتعرف معنى السكينة.. لكم تسيل دموع الحب الذى ضيعه السفهاء الذين يعتقدون انه منحدر تتهاوى فيه برفقٍ لغة الأجساد، وفي الحقيقة هو نور الله الذي به ترى النفس معنى السكن والاستقرار.. حمقاء حروف ذلك الحب الذي يعتقد البعض إنه مجرد كلمات أو إحساس تسوقه هالة طاقة من النظرات الخالية من رحيق الأنس وعرك الحياة بحلوها ومرها و ضغضغة أنامل الاحتكاك.
إن الحب الحقيقي لهو وعاء السكينة وسقاؤها وخمر من الهدوء تذهب معه الهموم دون فقدان العقول لخطوط سيرها.. كاذب من يعتقد ان الحب كلمات بل هو حياة، والانفس بانفاسها تندفع بغية الارتباط بمن تشعر معه بالأمان، فتتخبط احيانا بزيغ اللهفة أو بطلاء من الغفلة حتى تعي معنى الألفة والسكينة وتذوق الحميمية وتجد منبعها الطيني والروحي الأول.
وما أصعب دمعات الحب التي تتقاطر من عينيه كمدا وحسرة من خيبات مدعين غفلى، وما احزن الحب الذي يتظاهر به البعض وهم في الحقيقة بعيدي كل البعض عن جمال طلته وبهاء سكينته وخلود مأدبته..وما إن يذكر الحب حتى تذكر السيدة زينب ابنة النبي محمد – عليه الصلاة والسلام -، التى أعطت معان عميقة للحب والسكينة واشرقت من تجربة حياتها المباركة شمس تبعث الدفء الذي يذيب ثلج العلاقات الباردة النابع من اعاصير غرور النفس.

لقد كانت قصة حب السيدة زينب مع زوجها إحدى القصص التي تحمل معانِِ ورسائلَ عظيمة و تكشف عن كثير من الأوجه من مناظرَ مختلفة؟ ما هذا الحب الكبير؟! و ها هي الأخلاق التي ليس لها وطن أو عرق أو دين؟
عندما أنظر بمخيلة الكهل الثائر لقصة حب زينب ابنة النبى محمد عليه الصلاة والسلام وزوجها ابي العاص بن الربيع،أراني مبتهج الوجه والفؤاد، لقد تزوجت زينب من ابن خالتها ابي العاص ذي الاخلاق الدمسة النبيلة ! ولكنه لم يسلم وبقت مع زوجها المحبة له وهى مسلمة طيلة ثلاثة عشر عام وهي فترة مكوث الاسلام فى مكة قبل المدينة، بل ان ابي العاص قاتل النبي فى غزوة بدر وأسر وافتدته زينب بعقد أمها خديجة! وعندما طلب الرسول محمد – عليه الصلاة والسلام – من أبي العاص إرجاع زينب للمدينة قبل واستجاب في الحال، وظلت زينب لمدة ستة أعوام ترفض الزواج من غيره، وعندما اختطفت أمواله ولجأ إلى بيت زينب بالمدينة أجارته، بل وقال الرسول الكلمة الخالدة “إنا لنجير من أجرتِ يا زينب” وبعدها بعام أسلم أبي العاص وبعده بعام ماتت زينب وبعده بعام مات أبي العاص.
الرسول على الدوام كان يقول خير الأصهار ابي العاص، إنها الأخلاق وان لم تُروَ برافد دين أو إيمان؟!! وماكان النبي ليعفو عنه ولا يجيره من وجهة نظري إلا ليرسل لنا الرسالة العظمى فى أن الناس معادن وإن خلوا من الدين والإيمان، وإن رافد الإيمان والتدين يجعل النابت أصلاً فى النفس يعانق السماء  وإنّ التدين لن ينبت بذرة غير منغرسة فى النفس!

وما أعظم لعنات الحب لكل الذين ينتقمون لأنفسهم باسم الحب وهو منهم براء.. إن الحب فداء وصبر واستيعاب وهو سقاء الله المبارك الذي يجعل بصمة استمرار الحياة قائمة ويضمن السكن الراقي والوصال الروحي السامي الذي يتقلب من خلاله قبس الأنفس المنحدر من النفس الأولى عبر النطف حتى يأذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى