الكنز الاستراتيجي الذي غفل عنه العرب

د. إبراهيم محمد خفاجة | أستاذ اللغة العربية وآدابها

 على مدى يومين متواصلين سعدت بحضور الندوة العالمية عن اللغة العربية في إفريقيا بين الواقع والمأمول والتي نظمها المجلس الدولي للغة العربية يومي الأربعاء والخميس 30 يونيو و1 يوليو2021، وقد كان الحضور مشرفًا جدًّا على مستوى الأوراق الأكاديمية المقدمة والباحثين والعلماء المشاركين من كل الدول الأفريقية تقريبًا وكان جلهم من غرب إفريقيا، علاوة على حضور كثير من المهتمين والمعنيين بالأمر من بلدان عربية وإسلامية أخرى كثيرة.

تناولت الندوة واقع اللغة العربية والمشكلات التي تعترض تعليمها في كثير من البلدان وكيف حاول المستعمر وعلى وجه الخصوص المستعمر الفرنسي طمس الهوية العربية والإسلامية لدى كثير من المجتمعات والدول التي استعمرها من خلال القضاء على اللغة العربية التي تمثل الدين والهوية الوطنية لهذه المجتمعات.

وقد تميزت الجلسات كلها بالثراء العلمي وبراعة المتحدثين ووعيهم وثراء المداخلات والتعليقات وروعتها وكانت هذه السمة التي تميزت به فعليات الندوة على مدار يومين متواصلين، ولم يعكر صفوها إلا انقطاع خدمة الإنترنت عن المتحدثين بين الحين والحين وهو أمر اشتركت فيه تقريبا كل بلدان القارة السمراء مما يؤكد على ضعف البنية التحتية والتكنولوجية لهذه البلدان.

ومن الأمور الجديرة بالاحترام واللافتة للنظر ذلك الحب الشديد للغة العربية من أبناء هذه القارة، وتلهفهم لكل من يقدم لهم يد المساعدة في تعلمها وإتقانها؛ بل لقد وجدت لديهم حبًّا وتقديسا واعتزازا باللغة العربية لم أجده بين أبنائها ومتحدثيها الأصليين، فهم ينظرون إليها نظرة إجلال وإكبار باعتبارها لغة القرآن الكريم ولغة الحديث النبوي الشريف أولا، وباعتبارها من أهم جسور التواصل مع المجتمعات العربية والإسلامية ثانيا، وباعتبارها وعاءً يحفظ لهم تاريخهم وهويتهم الثقافية ثالثًا.

وكان جل ما رصده الباحثون من مشكلات تتعلق بتعليم اللغة العربية هو ضعف المؤسسات المعنية بهذا الأمر في كثير من البلدان الأفريقية غير الناطقة بالعربية، وكذا ضعف الموارد المادية وقلة الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة جيدًا التي يمكنها تلبية الطلب المتزايد على تعلم اللغة العربية، وقلة عدد المنح التي تخصصها الجامعات العربية لتعليم أبناء هذه الدول.

بل إن بعضهم يشعر بالصدمة من تخلي العرب عن لغتهم واستبدالها بلغات أخرى غربية كالإنجليزية أو الفرنسية. ويتعجب من إصرار بعض العرب على عدم التحدث معهم باللغة العربية التي يعشقونها عندما يزورون البلاد العربية إما للحج أو للدراسة، ومن ثم تكمن أهمية الكنز الاستراتيجي الذي يمتلكه العرب ولكنهم للأسف يغفلون عن استخدامه.

ولنا أن نتصور كم ستكون المكاسب التي ستجنيها البلاد العربية إذا أحسنت استغلال هذا الكنز من فتح آفاق جديدة للتنمية وإنشاء علاقات قوية ليس فقط مع أهل القارة الأفريقية؛ بل مع جميع البلدان التي يسكنها مسلمون في كل أرجاء المعمورة.

ولنا أن نتخيل مقدار المكاسب التي سنحصل عليها لو أحسنا الاستثمار في هذا المجال، والتي منها على سبيل المثال: فتح أسواق لمنتجاتنا وتوفير فرص عمل لأبنائنا ونشر لثقافتنا والحفاظ على هويتنا وأمننا القومي.

فسلاح اللغة يعد من أهم وسائل القوة الناعمة التي نمتلكها لكسب التأييد وحشد الجهود لقضايانا العادلة. ومن أهم الوسائل لتأليف القلوب والشعوب والحفاظ على الهوية. 

فما زالت فرنسا وبريطانيا وغيرها من دول الاستعمار تكتسب نفوذها وسيطرتها وهيمنتها على كثير من الدول رغم جلاء الاستعمار العسكري من خلال فرض لغاتها وثقافاتها على أهل هذه الشعوب المقهورة، وما زالت دول الاستعمار تبذل ما في وسعها ولا تبخل بشيء في استطاعتها من أجل الحفاظ على هذه السيطرة وتلك الهيمنة.

 فلماذا لا تسارع الدول العربية ممثلة في قياداتها السياسية وزاراتها المعنية كوزارات الخارجية والتعليم، والتعليم العالي، ومراكز البحوث العلمية، والجامعات، والمؤسسات التعليمية الخاصة، وجامعة الدول العربية ،في اتخاذ الإجراءات ووضع الخطط وتوفير الدعم اللازم للقيام بما يجب نحو استغلال هذا الكنز الذي غفلنا عنه كثيرا رغم أنه كان مفتاح تقدمنا ورمز عزتنا وقوتنا لقرون عديدة؟! . ومتى يعود للغة العربية احترامها وتقديرها بين أبنائها؟!

نحتاج إلى قرارات سياسية وتشريعات عاجلة وملزمة تضمن احترامنا للغتنا وتحفظ لنا انتماءنا وهويتنا.ونحتاج أيضًا إلى جرأة في اتخاذ القرارات الملزمة التي تفتح آفاق التعاون مع محيطنا الأفريقي وعمقنا التاريخي وإعادة بناء جسور التواصل ومد يد التعاون لأبناء هذه القارة السمراء.فما زال الميدان يحتاج إلى فرسان لينهضوا بهذه المهمة الجليلة.

والله ولي التوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى