القلوبُ السوداءُ
خالد رمضان|تربوي مصري- صلالة-عُمان
إن مدارَ صلاح الأخلاق أو فسادها يكمن في تلك المضغةِ المستقرةِ في صدرك، ألا وهي القلبُ، الذي إذا صلُحَ صلُحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد ُ كله .
ليست العبرةُ بأفعالِ الجوارحِ، ولا حتى قضاءِ المصالح، إنما تؤجرون على نيّاتكم، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، ومما يدل على ذلك قولُ النبي – صلى الله عليه وسلم- حين خرجَ لغزوة تبوك “إن في المدينة أقوامًا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا وشاركوكم الأجر، منعهم العذر.
وعلى النقيض تماما تجد من الناس مَن اسوّدت قلوبُهم، وساءت أخلاقُهم فيزجون بأنوفهم في حياتك الخاصة، ويخوضون في أمواه سيرتك الحسنة، ويروغون كالثعالب، ويلهثون بألسنتهم كالكلاب الضالة في قيظ الشمس الحارقة معللين، ومفسرين، ومبررين، ومششكين، وحاسدين، وحاقدين، يتساءلون ويتهامسون ويتلامزون، من أين له هذه السيارة الفاخرة؟ وكيف بنى هذه العمارة؟
لابد أنه فتح مقبرةً فرعونية، أو عثُر على ثروة مالية، لله الأمر من قبل ومن بعد .
إن هؤلاء المتطفلين الفضوليين الطفيليين مثلهم كمثل بني إسرائيل، فكانوا يغتسلون جميعا معا عراةً، وكان نبيهم موسى عليه السلام يأبى ذلك، فكان يذهب بعيدا عنهم ويغتسل، فما تركوه- وهو نبيهم- فافتروا عليه الافتراءات، وورموه بأبشع الاتهامات، فقالوا عنه أنه (ٱدر) وهذه علّةٌ مشينة، وتعني انتفاخٌ في خصيتيه- حاشاه الله – قال تعالى: “ألم ترَ إلى الذين ٱذوا موسى فبرّأه الله مما قالوا”، تأمل، سمّى الله تعالى هذا التدخلَ السافرَ في حياة موسى أذىً.
إن من سوء الخلق أن تلقي السمع لأسرار الٱخرين، فتتجسس، وتتلصص على عورات المسلمين وغير المسلمين، فيرصد الله تعالى لك من يتتبع عوراتك حتى يفضحك على رؤوس الأشهاد.
لا تشغل بالك بغيرك، لا تسل عما لا يخصك، فتنم مرتاح البال، هانئ النفس، نقي القلب.
حينا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كعب، قال أحد الحاضرين: حبسه برداه، والنظرُ في عطفيه، فرد معاذ بن جبل على ذلك الرجل قائلا: والله ما علمنا عليه إلا خيرا.
القلوب النقيّة التقيّة ليس لها جزاءٌ إلا الجنة، تلك القلوب التي لا تحمل حقدا، ولا تمتلئ بغضًا، ولا حسدا ، فقد عاتب الله تعالى نبيّه داود لأنه استمع من طرف واحد، وذلك الطرف حسد صاحبه على ما ٱتاه الله، فلم يعرض مشكلته، وما يخصّه، بل حسد أخاه، وقال: له تسع وتسعون نعجة، ما شأن نعاجه في شكواك؟
قال تعالى: “ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم”، وأين يكمن الخير؟ يكمن في القلوب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
إن أدواء الحقد والحسد والبغض ليست قاصرةً على قوم دون قوم، إنما هي أمراض عارضة تعرض لكل الناس، ودون أن يدري صاحبها، فقد حسد إبليس ٱدم ، وكان يسمى طاووس الملائكة، فلا تقل: إني نقي القلب، طاهر النفس، والنّفَس، فتُصابَ بما يهوي بك إلى ما لا يُحمد عقباه .
ولنعلم جميعا أن القلوب المؤمنة النقية يتولاها الله تعالى: “إن الله يدافع عن الذين ٱمنوا”. صدق الله العظيم.
وأختم بقول الشاعر:
دعني وحيدا أعاني العيش منفردا
فبعض معرفتي بالناس تكفيني
|||
ماضرني ودفاع الله يعصمني
من بات يهدمني فالله يبنيني