مازالَ هُناكَ نبض
مناسك إبراهيم | السودان
زَارني روحٌ مِنكِ ذاتَ هنيهةٍ، وقفَ أمامي، نظرتُ إليه وكأنني أنظرُ في عينيكِ، كان الغَضبُ والحُزنُ مُرتسمانِ في وجهه، أخرجَ تنهيدةً خَفيفة ثُم قالَ لي:
“هُنالكَ مَكتوبٌ إليكِ”
أخذتُ تلكَ الصَحائفَ مِنه، وهمَّ بالمُغادرة، ولكنْ قبل أن يَخرج نَظرَ إليّ وقالَ زاجراً-ومازجرُ المُحبِ للحبيبه إلا إعلانٌ صريحٌ لحُبه-:
“قُمْي!
فَهُنالكَ شُعورٌ مِن النورِ لم يَختلج صدركِ بعد.”
ثُم غَادرَ وتركني فِي مَجلسي يطوفُ في أُذني كلامه، تَذكرتُ كَلماتكِ لي فِي بدايةِ طريقنا، أغمضتُ عيناي وهمستُ لقلبي قائلة:
“لقد قُلنا سابقاً أننا لن نميلَ عن الطريق…
ولكن ها نَحنُ مِلنا!”
قلبٌ مُضطربٌ زعّزعَ الهوى ثباته…
فتَحتُ المَكتوبَ وقرأته، كان النُورُ يَشعُ ويَنتقلُ الي قلبي منه، أمسكتُ به وضممته الي صدري، سَمحتُ لتلكَ الدموعِ المَحبوسةِ أن تنزلَ وتُعانقَ الصُحف، وكأنَ تلكَ القناديل المُضئيةَ حطّتْ على كَتفي أنا لا أنتِ!
كانت وما زالتْ كلماتكِ تُربتُ على قلبي دائماً، عَرفتُ مِنْ كلماتكِ أنكِ ذاكَ الصديقُ الذي يجبُ أن أشبكَ أصابعي بأصابعه لنسيرَ معاً!
الأمرُ صعب، مُعقد، مُتعب، مُنهك
ولكن نِهايته سَتُنسينا كُلَ ذلكَ، ألستُ على حق؟!
أعدكِ أننا سنرى طريقَ الهوى قد عُلقتْ فيه المَصابيحُ المُلونة، وفُرشَ الزهرُ للسائرينَ، سَتُقدمُ المعاصي على أطباقٍ مِن ذهب، سيشربُ الناس الكَذب كما كَانَ يشرب العربُ الخَمرَ في الجاهليةَ!
ومِن جهةٍ أُخرى سيكونُ طريقُ القُرآن طَويلاً،
سيكونُ مُظلماً في نظرِ مِنْ لم يسر فيه، بينما يَشيعُ ثنا نُوره في صدور السالكينَ والمُتمسكينَ به حتى آخرِ رمقٍ لهم.
أتعلمين!
لقد أيقنتُ حقاً أن الناسَ للناسِ فِتنة، فبعدكِ أفلتتني كُل يدٍ تمسكتُ بها لنسيرَ في نفسِ الطريق، وأحياناً كانت الأيادي تَجذُبني الى الطريق الآخر،
فيتذبذبُ القلب،
وتَتشتتُ القيم،
وتزلُ الأقدام،
وبعدها يَتوقفُ الحفظ،
لقد أدركتُ ذلكَ مُتاخراً، ولكنْ عزائي الوحيدُ هو أنني لم أدركه بعد فواتِ الآوان؛ فما زالَ فِي القلبِ نبض، وحَيثُما وجدَ النبضُ وجدَ الأمل.
والآن خُذيني معكِ، دعيني أشدد بكِ أزري، وأُشركي في أمري، وبما أن هُنالكَ نُورٌ لم يختلج صدورنا بعد، فعلينا المَسير، الى أن نجدَ ذلكَ النورَ، فنستريحَ ونصل الى نهايةِ الطريق سالمين.