ما بعد التَخرُج

مناسك إبراهيم | السودان

  هَاهي نُقطةٌ أُخرى تضافُ الى رصيدِ فشلي فِي هذه الحياة، جَميع أحلامي وطُموحاتي غادرتْ في سفينةِ العُمر، وتركتني أنظرُ اليها وهي تختفي رُويداً رُويدا خَلف ضَبابِ اليائس والفشل.

    للمرةِ الخامسةِ تَم رفضُ طلبي للوظيفةَ، لستُ حزيناً على ذلكَ..وإنما أنا حزينٌ على دَرجةِ الإمتياز التي أحرزتها في الجامعة، الآن هي لا تساوي شئياً، أنظرُ الي ابناء أصحابِ الشركاتِ والمناصبِ الحكوميةِ يتمُ قبولهم بِكُلِ سهولة، لم أرتكب خطأً سوى أنني لم أكنْ ابن صاحبِ اكبر شركةٍ في البلاد!

     ذهبتُ إلى المقهى وجلستُ على الطاولةِ المُجاورةِ للنافذة، إتصلتُ بصديقي وطلبتُ منه القدومَ لنتحدثَ معاً، أشعلتُ سِجارتي وجلستُ أُحدقُ في وجوهِ المارةِ عبر النافذة، بعدها نظرتُ إلى شابٍ وفتاةٍ يجلسانِ على الطاولةِ المُجاورةِ لي، كانا هائمانِ ببعضهما، ابتسمتُ بسخريةٍ وتذكرتُ حبيبتي سابقاً، لقد كُنا مثلهما تماماً، ولكن ليتني استطيعُ أخبارهما ان هذه فترةُ مراهقةٍ فحسب، وبعد سنواتٍ قليلةَ سيسئمانِ من بعضهما، وستنشأُ الخلافاتُ رُغماً عنهما، ثم بعدها ينفصلان ويعودانِ غريبان عن بعضهما، كما كانا من قبل.

بعدَ حوالي نصف ساعة دلّفَ صديقي إلي المقهى، زمَّ شفتهُ ونظر اليّ وقال:

“صدّقنِي ستَموتُ بهذه الطريقة،

ألم أُخبركَ سابقاً أن عليكَ التوقفَ عن التدخينِ حتى لا تتلفَ رئتُك؟”

نظرتُ اليه بِعدمِ إكتراث وقُلت:

“أليسَ مِن الأحرى أن تُلقي السلامَ أولاً بدلَ أن تُلقي النَصائح؟!”

-“حسناً، حسناً

السلامُ عليكَ أيها الصديق”

-“وعليكَ السلام والرحمة من الله”

جلسَ في الكرسي المُقابل لي وقال:

“لماذا تبدل حَالُكَ؟

لم تكن هكذا سابقاً، لقد كُنتَ قدوتي في السنوتِ السابقة، ماذا حدثَ لتُصبحَ هكذا؟”

-“لم يحدث أي شئ يا صديقي،

إنه الواقعُ فحسب، لقد كُنت أعيشُ في السابقِ في أحلامِ يقظة، كنتُ أظنُ انني سأتخرجُ وأصبحُ ذلكَ الشخص الناجح الذي رسمته في مخيلتي دائماً، ولكن للأسف أنا الآن مُجردُ فاشلٍ كبير”

نظرَّ اليّ وقال:

“وماذا عن شِهادتكِ الجامعية”

أجبتُ بعدمِ إكتراثٍ وقلت:

“أتقصدُ تلكَ الورقةَ المُعلقة في جدارِ غرفتي؟

لم تَكُنْ ذات فائدة قط، هي مُجردُ ورقة!

لا تنفعني في الوظيفةَ فهُنا لا يَتوظفُ الناسُ بشهادتهم..وإنما بمعارفهم فحسب”

تَنهدَ بحسرةٍ وقال:

“إنه لأمرٌ مُحزنٌ أن ترى شَخصاً كان حالماً، قد حولته الأيامُ الى كُتلةٍ شاحِبة،

قول لي أهكذا الحياةُ بعد التَخرج؟”

-“نعم إنها كذلكَ وأسوأ مما توقعُ أنت وأتوقعُ أنا”

=”إذا ماذا ستفعلُ الآن؟”

-“سأُقيمُ مع والديَّ طوالَ الوقت،

سأشربُ السجائرَ بِنهمٍ وأضيعُ عليها تلكَ القطعَ النقدية التي اتحصلُ عليها بصعوبة،

قد أُصبحُ لصّاً في المدينةِ، وتلاحقني الشرطةُ طوالَ الليل،

سأصبحُ زيرَ نساءاً وسأُدمنُ الخمرَ والمَيسرَ وتنتهي حياتي هكذا،

    فيا صديقي سأقولُ لكَ في نهايةِ هذا الحديث،

     إياكَ أن تتخرج؛ فما بعدُ التخرجِ خدعةٌ وحسب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى