دور وزارة الثقافة في أغنية منير “للّي”

د.أحمد سعيد عزت عامر |  مصر

إن ما ذاع خبره خلال الأيام الماضية من نزاع حول صحة انتساب كلمات ولحن أغنية “للّي” للمطرب محمد منير، ما بين ملحن وشاعر من جانب ومغني على جانب آخر، وما ترتب على ذلك من مستجدات حجب إدارة منصة “يوتيوب” لكلا من الأغنيتين؛ يثير قضيتين هامتين أولهما هو حقوق الملكية الفكرية في تشابه جزئي لشطره من شطرات الأغنية، بين أغنيتين، وهو أمر يسير في إثباته إذا ما انصب واقتصر الخلاف على هذه الجزئية؛ بإعتباره يتحقق بثبوت أسبقية الإبداع وقدر التشابه أو الإعتداء على إبداع الشاعر الفرد.
أما القضية الثانية –والأهم فيما نرى- فإنها تنصب على ما أقر به الملحن –المحذوفة أغنيته من منصة يوتيوب- من أن اللحن “فلكلوري”، نقله حرفيًا دون تعديل أو إضافة أو بصمة شخصية من مصنف “فلكلوري”، وأنكرها الآخر.
الواقع أن تعبيرات أو مقاطع الموسيقى التقليدية واحدة من تطبيقات فنون العروض كواحد من مجالات “الفلكلور الوطني” أو ما يطلق عليه علميًا “التراث الثقافي غير المادي/ التراث الحي” وفقًا لاتفاقية يونسكو صون التراث الثقافي غير المادي 2003، التي انضمت لها مصر منذ عام 2005.
التعبيرات الموسيقية الفلكلورية هي واحدة من التعبيرات التي شملتها مظلة حماية قانون حقوق الملكية الفكرية رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢، حال تنظيمه حماية قانونية –مبدئية بدائية- لإستغلال الفلكلور الوطني؛ بغية انضباط آليات التعامل مع هذا التراث ترويجًا وتحفيزًا على بقاءه واستمراره وتطوره.
عرفت المادة 138/7 من القانون “الفلكلور الوطني” -وفقًا لمسماه آنذاك- بأنه كل تعبير يتمثل في عناصر متميزة تعكس التراث الشعبي التقليدي، الذي نشأ أو استمر في جمهورية مصر العربية، وضرب أمثلة له منها: “التعبيرات الموسيقية: مثل الأغاني الشعبية المصحوبة بموسيقى”، وتثبت ملكية الفلكلور الوطني إلى مجموع الشعب المصري، وتقوم وزارة الثقافة المصرية مقام الأمين على هذا الإبداع الشعبي، في مباشرة الحقوق المالية والأدبية حال رغبة شخص ما في استغلال هذا “الفلكلور”.
إن نسبة إبداع “الفلكلور” إلى مجتمع ما أشبه بالملكية على الشيوع، لا يجوز لفرد التصرف في حصته مفرزه؛ وإنما تخضع لقواعد وإجراءات تحدد من خلالها آلية التصرف استغلالًا وتصرفًا، فإذا كان القانون قد حدد شخص ما لمباشرة حقوق الملاك على الشيوع؛ فيكون هو –وحده- الأجدر بمباشرة هذه الحقوق مع اعتبار بديهي لمصلحة المجموع، فإذا ما كان هذا الشخص هو وزارة الثقافة المصرية التي تعي وتعنى بمصلحة حاملي الحقوق على التراث الحي –إجمالًا- وعلى التراث الموسيقي التقليدي في حالتنا هذه بالأخص، وأهم هذه الحقوق –في تقديرنا- نسبة هذا الإبداع الشعبي إلى مبدعيه، كحق معنوي أصيل “حق الأبوة” فضلًا عن الحقوق الأدبية الأخرى، ولا سيما الحق في الاحترام وعدم الازدراء، دون إغفال للحقوق المالية.
تخضع -قانونًا- الرغبة في استغلال تعبير موسيقى تقليدي أو غيره من مجالات “الفلكلور الوطني” لعدد من الإجراءات، نظمها قانون حماية حقوق الملكية الفكرية ولائحته التنفيذية، إذ يبتدأ من اختصاص وزارة الثقافة المصرية بمباشرة الحقوق المالية والأدبية على “الفلكلور الوطني”، بحسب ما حددته المادة 142 من قانون رقم 82 لسنة 2002، ووفقًا لمنطوق المادة ٣ من اللائحة التنفيذية، وذلك من خلال ما تم إنشاءه –فعليًا- من سجلات وأرشيفات وقواعد بيانات لقيد ما يتم حصره وتصنيفه، ولنا في الأرشيف المصري للحياة والمأثورات الشعبية مثالًا يحتذى به.
إن دور وزارة الثقافة المصرية المنوط بها والمأمول -صونًا للحقوق المالية والأدبية على “الفلكلور الوطني”- والواجب الانتباه لقيامها به إصدارًا لتراخيص باستغلال “اللحن الموسيقى التقليدي”، على أن يكون هذا التصريح – وفقًا لقواعد إصدار مثيلاته من التصاريح- مكتوبًا، محدد المدة، محددًا للنطاق المكاني للتصريح، يسدد عنه مقابل يحدد وفق قواعد “تقييم المقابل النقدي لأصول رأس المال غير الملموس” وهو المعيار ٢٣ المحاسبي المصري، والذي يقابله المعيار ٣٨ في معايير المحاسبة الدولية، ويكون مجالات اقتسام المنافع الاقتصادية لمدخلات هذه التصاريح هي تنمية وتطوير التراث الحي ومبدعيه وبيئاتهم، بتعاون مع منظمات المجتمع المدني الممثلة لأصحاب الحقوق وحملة التراث.

………..

* محاضر في القانون وخبير الملكية الفكرية والتراث الثقافي وعضو لجنة حماية حقوق الملكية الفكرية – المجلس الأعلى للثقافة وحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم القانونية والاقتصادية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى