رؤية  إجمالية لسردية الحيدري الأخيرة

أ.سميا صالح | شاعرة وناقد – سوريا

مدخل:

لكي نُكوِّنَ فكرة عامة عن منجز كاتبنا – موضوع المطالعة – سنقدم له بالبطاقة التالية: إنه الشاعر والقاص  الزميل حسن الحيدري ،من العراق الشقيق- محافظة البصرة، ومن مواليد 1 نيسان 195م. عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، ونائب رئيس اتحاد أدباء الزبير للفتره 2005 ولغاية 2017

منجزه الإبداعي:

نشر العديد من قصصه وأشعاره في صحف عراقية، طريق الشعب، الأخبار، أزمان، الدستور ومواقع: ابسو الالكترونية وصحف عربية: الفينيق، مجلة النهضة و الدستور الأردنية، لديه مجموعتان قصصيتان مخطوطتان “أسير البياض الناصع” ، و”على حافة الغروب”، إضافة إلى هذا النص الذي بين أيدينا، ولديه أيضا مجموعتان شعريتان هما: “النص بقميص مفتوح” و”برج الحوت”

وسأكتفي بهذه البطاقة تمهيداً لإطلالتي الموجزة على عمله  السردي (ما يرسمه الضباب) الذي أصنفه بحسب تصوري المتواضع  باعتباره (قصة طويلة) مع إصرار الكاتب على أنها رواية، بحكم كثرة الشخصيات وتشعب الأحداث وامتداد الزمان وتنوع المكان، إنما يتعلق هذا كله – أكاديميا – بعدد الصفحات أيضاً- ولكن ذلك كله ما يزال موضع حوار وخلاف، من هنا سأترك قضية التجنيس إلى المتلقي آملة التداخل نقداً وتعليقاً، مع التقدير. وقبل الدخول في النص لابد من الوقوف على عتباته:

 (ما يرسمه الضباب)

عنوان يقوم على التكثيف والاقتصاد باللغة /إيجاز وانزياح/والعنوانان كاشفان للظنون؛ بل هما المناص الذي يستند إليه النص؛ إيهام وغموض لا تلبث بعد القراءه أن ترى تجلي العلاقة التناصية التي يقيمها مع ما يتضمنه المحتوى.

الإهداء:

عتبة ضرورية؛ بل هي تبرع الكاتب بمعنى تأكيد العلاقة بينه وبين المهدى إليه أو ما تحمله جملة المهدى إليه من معنى؛ فالإهداء ليس عنصرا مجانيا فهو مسؤولية الكاتب ومن خلاله يدخل بعلاقة وجدانية مع المتلقي، فهو يحتل مكان المقدمة، وله وظيفة تقديمية لا تخلو من قصدية .. ونرى إهداء الحيدري هنا ذا عمق ودلالة: (المعادلة العرجاء تنتج قوانين ناقصة) خالد أغا القلعة؟!!..

فللإهداء هنا وظائف دلالية ووصفية ذات أبعاد علائقية ورمزية ثم يبدأ الكتابة بلغة سردية باذخة الجمال والتنوع في حديث يلفت انتباه المتلقي فيحول السرد إلى فعل نقل الحكاية مع استيعاب للحيز الزماني والمكاني.

ولقد كانت اللغة الشعرية واضحة في أكثر من موضع من دون تهميش للشخصية أو الزمان والمكان حتى تظن في البداية أنك لا تقرأ رواية أو قصة حتى تتكشف رويدا سردية جمالية لم تكن تتوقعها، إذ أصبحت اللغة التقليدية غير مقبولة لدى كثير من الكتاب المحدثين، لذلك لجأ الكاتب لسرد حداثوي ماتع.

ومن خلال الأحداث نرى أن الكاتب استنفر همه وبلوره من خلال محاولة التمرد على سطوة عاشتها شخصيات روايته في حقبة معينة،فعبر برمزية معينة عن كبت عنيق يعانيه زمنا طويلاً: (مابال أولئك الساسة الأجلاف الخونة لا يتنوعون وإن اختلفوا)؛ بل عن أمنيته الدفينة في خلق التوازن ومحاولة للتعديل فبحث عن شخصيات تلائم نصه بأدوار ذات قيمة دلالية تكشف معالم التمرد والمعاناة وصراع مع مظاهر الظلم والاستبداد: (نسرين فتاة كردية ولي معها هدف إنساني واحد، وقضية واحدة).

فضاء الرواية له دور مهم في البناء الجمالي؛ بل هنا ركيزته الأساسية كونها العالم الذي تنتقل به شخصيات روايته، ومنشأ الصدام، كما نلاحظ سمة الخوف والتوجس التي جاءت مضمرة وخفية ولربما هناك أسباب دعت الكاتب أنْ لا يفصح عنها.

  • كيف حالك !
  • كيف حال البصرة!
  • أما زالت تئن من جراحاتها النازفة !؟

الحوار كان رشيقا ذو دلالة بسيطا لدرجة لا يترك للقارىء يكابد باكتشاف أبعاده:

  • هل قرأت قصة (الذئاب)للقاص حسين عارف!
  • أي ذئاب كان يقصد سيدي الشاعر !

وقد استخدم الكاتب أساليب السرد من مونولوج باطني ومناجاة (عجبت لظلي الذي انشطر نصفين تماما)، إلى سرد شخصي (الصلاة على وشك أن تفلت من ميقات حضورها المخبأ في شكله الاسطواني الممتد إلى ما وراء أقاصي الزمن)

عمل قصصي فني مسبوك بناءً، والحدث يتحرك عبر واقع زمني لحقبة معروفة من تاريخ العراق، حقبة تعج بالخوف والتوتر والحب واختلاف الطبقات الاجتماعية والاعتقالات والسلبيات واستحضار خفاياها والحلم بواقع جميل (يا لهذا الحب المكتظ بوساوس الشك والذهول واللايقين )..

***

ملاحظة:

نص الرواية موجود على صفحة الاستاذ الكاتب لمن احب المتابعة مع الاحترام..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى