الوجهة العقلية في الحياة أو ” العقلية “

رؤية: كيندرا شيري (2021)

د. محمد السعيد أبو حلاوة| أستاذ الصحة النفسية المساعد، كلية التربية، جامعة دمنهور

أولاً- مقدمة: 

هل يمكن أن تؤثر اعتقاداتك حول ذاتك على نجاحك أو إخفاقك في الحياة؟ تجيب الاختصاصية النفسية بجامعة ستانفورد كارول دويك Carol Dweck بأن اعتقادات الفرد عن ذاته تلعب دورًا حيويًا في تقرير ما يريد وفي تحدى مدى إمكانية تحقيقه لما يريده.  وأفاد كارول دويك أن ما سمته “التوجه العقلي”، أو “العقلية” mindset تلعب دورًا جوهريًا في تقرير الإنجاز والنجاح. فما المقصود بالضبط بمصطلح “الوجهة العقلية” أو “التوجه العقلي”. 

ثانيًا- تعريف “العقلية” أو “الوجهة الذهنية في الحياة” Mindset:  

تتحدد الوجهة العقلية للشخص في الحياة وفقًا لمجموعة الاعتقادات  set of beliefs التي تشكل كيفية رؤيته وفهمه وتفسيره للعالم من حوله ولذاته في نفس الوقت، وتؤثر مجموعة الاعتقادات هذه على الطريقة التي تفكر وتسعر وتتصرف بها في أي مواقف من مواقف التفاعل في الحياة. 

ثالثًا- أنماط الوجهة الذهنية “التوجه العقلي” أو العقلية  Mindset Types: 

للوجهة الذهنية أو التوجه العقلي الذي يحدد موقف الإنسان من ذاته ومن العالم من حوله  وفقًا لأطروحات كارول دويك نمطين أساسيين يتمثلان فيما يلي: 

  • الوجهة الذهنية القائمة على الثبات “عقلية الثبات” fixed Mindset:  

إذا كان لدى الشخص توجه عقلي في الحياة قائم على الثبات فإنه يعتقد أن قدراته سمات ثابتة ولا يمكن تغييرها، وقد يعتقد أن موهبته أو ذكائه هما العامل الوحيد للنجاح، وأن المجهود لا لزوم له أو غير مطلوب. 

  • الوجهة أو التوجه الذهني القائم على النماء “عقلية النماء” growth Mindset: 

على الجانب الآخر إن تبنى الشخص عقلية النماء فإنه يعتقد أن مواهبه وقدراته يمكن تطويرها وتنميتها مع الوقت من خلال المجهود والمثابرة. ويعتقد من يتبنون مثل هذه الوجهة العقلية أنه ليس من المعقول أن يكون الناس كلهم أينشتاين أو موتزارت بسبب مجرد المحاولة، إلا أن كل ما يؤكد عليه أن كل إنسان يمكن أن يكون أكثر براعة وأكثر ذكاء وموهبة مما هو عليه إن حاول واجتهد وثابر وبذل مجهودًا. 

عقلية الثبات عقلية النماء
  • إما أن أجيد هذا الشيء أو لا أجيده “ثنائية”
  • يمكن أن أتعلم أي شيء أريده. 
  • أنا بالصورة التي عليها ولا يمكن تغيير أي شيء في. 
  • أستطيع تطوير ذاتي والارتقاء بصورة مستمرة. 
  • إذا تعين عليك أن تعمل بجد، فإن هذا يعني أن قدراتك ومواهبك ضعيفة. 
  • كلما تحديت نفسك، كلما أصبحت أكثر براعة وأكثر ذكاءً.
  • إذا لم أحاول، فلن أفشل.
  • أفشل فقط عندما أتوقف عن المحاولة. 
  • هذا الوضع الوظيفي أعلى من قدراتي بصورة كلية.
  • هذا المنصب الوظيفي يبدو صعبًا. ومع ذلك علي أن أحاول، واسمحوا لي أن أتقدم بطلب للحصول عليه.

رابعًا- تشكيل أو تكوين الوجهة العقلية “العقلية” Mindset Formation: 

وفي إطار ما تقدم السؤال المطروح كيف تتكون أو تتشكل الوجهة العقلية؟ كشفت دراسات كارول دويك في هذه المجال أن المصدرين الأساسيين لتكوين “العقلية”، “عقلية الثبات في مقابل عقلية النماء” هما: 

  • الثناء والمديح praising. 
  • الوسم أو التسمية labeling. 

وهما عمليتين تحدثان بداية من مرحلة الطفولة المبكرة فقد وجدت كارول دويك وزملاؤها بعد سلسلة من التجارب الأساسية أن الأطفال يتصرفون بطرائق مختلفة ومتنوعة بناء على نمط الثناء أو المديح والإطراء الذين يتلقونه، إذ كشفت نتائج هذه السلسلة من التجارب أن “الثناء أو المديح الشخصي personal praise”، الثناء على أو امتداح مواهب الطفل أو إسقاط أوصاف معينة عليه مثل “ذكي أو بارع أو باللهجة العامية شاطر وحاذق smart” أمرًا ينمي ويعزز “عقلية الثبات fixed mindset”، لأن هذا الأمر ينقل للطفل رسالة مفادها إما أنه يمتلك “القدرة”، أو “لا يملك القدرة”، وأنه لا يوجد شيء يمكن فعله لتغيير هذه الحقيقة. 

على الجانب الآخر فإن “الثناء على العملية Process praise”، يؤكد فيه على مجهود الشخص الذي يقوم به من أجل تحقيق المهمة أو القيام بالعمل، وتتضمن أن “النجاح” دالة للمجهود والاستراتيجية التي يستخدمها الطفل، وهما أي “المجهود”، و “الاستراتيجية” يمكن ضبطهما والسيطرة عليهما وتحسينهما عبر الوقت. 

على سبيل المثال إذا حصل طفلك على درجة جيدة في الحساب، يتمثل “المديح الشخصي” إذ قلت له “آه أنت جيد وذكي في الحساب”، على الجانب الآخر فإن الثناء على العملية في حالة حصول طفلك على درجة في اختبار الحساب “إنني شديد الإعجاب بجدك واجتهاد لقد بذلت مجهودًا شاقًا في مذاكرتك للحساب”. 

ويمكن للراشدين تنمية “عقلية النماء” لدى أطفالهم عن طريق الثناء على المجهودات وليس على النتائج، فعن طريق التركيز على العملية أكثر من الناتج، يساعد الراشدون الأطفال على فهم أن المجهود الذي يبذلونه في المذاكرة، والعمل الجاد، والالتزام والتفاني والإخلاص يمكن أن تفضي إلى التغير والتعلم والارتقاء الآن وفي المستقبل.  

خامسًا- تأثير الوجهة أو التوجه العقلي “العقلية”:

تلعب الوجهة الذهنية أو العقلية دورًا مركزيًا في التوافق مع تحديات الحياة ومصاعبها ومواجهتها، فعندما يكون لدى الطفل عقلية النماء يتولد لديه جوعًا للتعلم ورعبة في العمل بجد واجتهاد واكتشاف الأشياء الجديدة، وغالبًا يترجم هذا الأمر في تحصيل أو إنجاز دراسي مرتفع. 

وينطبق هذا الأمر على الراشدين أيضًا، فتبنى عقلية النماء أو الوجهة العقلية القائمة على النماء يجعل الراشدين أكثر ميلا إلى المثابرة والتصميم والجلد في مواجهة العثرات والشدائد والإخفاقات، فبدلاً من الانهيار أمام هذه العثرات والإخفاقات ونصب مشنقة لوم الذات، يعتبر ذوو الوجهة الذهنية القائمة على النماء أن هذه العثرات والإخفاقات فرصًا للتعلم والارتقاء بالذات، مقارنة بذوي “عقلية الثبات” إذ يصابون بالإحباط والتوقف عن المثابرة والاجتهاد عند مواجهة ظروفًا عسيرة أو صعبة. 

وكتبت كارول دويك في كتابها “العقلية: علم النقس الجديد للنجاح Mindset: The New Psychology of Success” أن ذوي الوجهات العقلية الثابتة يسعون إلى كل ما يثبت قيمتهم كأشخاص ليس فقط للآخرين بل لأنفسهم، دون أي اعتبار لوصف مجهودهم أو ما يقومون به من أفعال، بما يعني أنهم مولعون بتقييم الذات وليس تقييم المجهود والعمل الذي يقومون به، الأمر الذي يفيد أنهم لا يعنيهم إلا موقفهم من ذاتهم وموقف الآخرين منهم ويبحثون دائمًا عن كل ما يشير إلى ذكائهم وشخصيتهم وقدراتهم وليس مجهودهم وإنجازاتهم، وعلى ذلك وفي كل موقف لا يتوقفون عن طرح أسئلة مثل: هل سأنجح أم سأفشل؟ هل سيقال عني أني ناجح أم فاشل؟ هل سأبدو ذكيًا أم غبيًا؟ هل سيتقبلني الآخرون أم سيرفضونني؟ هل سأبدو خاسرًا أم فائزًا؟. 

المصدر: 

Kendra Cherry (2021). What Is a Mindset and Why It Matters. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى