صحة الأمعاء ومناعة الجسم ضد الأمراض

أ.د. فيصل رضوان أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية. جامعة سوهاج مصر والمعهد القومي للمحيطات بالولايات المتحدة الأمريكية

“اسألني؛ ماذا يُضعف الجهاز المناعى؟”؛ هكذا بدأ محمد لبيب سالم، أستاذ المناعة بكلية العلوم بجامعة طنطا، إجابته لسؤال محاوره التلفزيوني عن أنواع الأغذية التى يمكن لها أن تقوى جهاز المناعة ضد عدوى الكورونا المستجدة.

وعلى نفس مسار صديقى الدكتور سالم، أحاول فى هذا المقال إلقاء الضوء على صحة الأمعاء وارتباطها الوثيق بصحة الجهاز المناعى، وربما ضبط عمل وسائط الالتهاب المُمرضة بالجسم على وجه العموم.

لقد تم التركيز بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية على صحة الأمعاء كجزء أصيل في عالم الصحة والعافية، على عكس العديد من الاتجاهات الغذائية العابرة. ووفقًا لتقارير الصحة لجامعة هارفارد Harvard Health ، يمكن أن يكون لمحتوى البكتيريا الفريدة بالأمعاء، المعروف باسم الميكروبيوم microbiome، تأثيرات بعيدة المدى. حيث يمكن لهذه البكتيريا “الجيدة” أن تساعد في الاستفادة من العناصر الغذائية الهامة من الطعام وبعض الأدوية، والحماية ضد الالتهابات المعوية، وإنتاج فيتامين K ، الذي يساعد على صنع بروتينات تخثر الدم، وفيتامين B المهم فى إنتاج الطاقة والمحافظة على الوظائف الصحية للدماغ، والجهاز العصبي؛ وحتى ان وجود هذه البكتيريا يساعد فى علاج بعض الأمراض، مثل السرطان والتهاب المفاصل وأمراض القلب. كما تشير بعض الأبحاث أيضًا إلى أنه قد يكون هناك نوع من الاتصال بين الأمعاء والدماغ gut—brain connection ، مما يشير إلى أن أمعاءك قد تؤثر على القلق والاكتئاب والصحة العقلية بشكل عام.

وكما تقول إليزابيث هوهمان Elizabeth Hohmann، أستاذ بقسم الأمراض المعدية في مستشفى ماساتشوستس العام: “هذه حدود جديدة للطب ، ينظر الكثيرون إلى ميكروبيوتا الأمعاء gut microbiota كنظام إضافي للأعضاء”. “إنه الأكثر أهمية لصحة الجهاز الهضمي، وربما يكون له آثار بعيدة المدى على عافيتنا عمومًا .”

إذاً يمكننا أن نطرح السؤال التالى: ما هى أسوأ الأشياء التي يمكننا القيام بها لإفساد الصحة المعوية وعليه افساد مناعة الجسم الطبيعية؟ هنا علينا أن نستفيد من أربعة وصفات خطيرة؛ يحذر منها رافائيل كيلمان Raphael Kellman ، وهو طبيب، وخبير صحة الأمعاء ومؤسس مركز كيلمان الصحي بنيويورك.

أولاً: تناول الأغذية السريعة والمصنعة processed and fast foods

التناول المتكرر للوجبات الجاهزة بما فيها من أطعمة مصنعة ومُعالجة كيميائيًا ليس جيدًا لأمعائك حيث يمكن لهذه الأطعمة أن تسبب خللاً في الميكروبيوم وتؤثر على بكتيريا الكولاجين المفيدة التي تحافظ على صحة أجسامنا. الأطعمة الغنية بالدهون والمنخفضة الألياف مثل البرجر والوجبات السريعة، في الواقع يمكن أن تحد من نمو البكتيريا “الجيدة” في الأمعاء ، والتي بدورها تبطئ عملية التمثيل الغذائي (وهى الاستفادة الجيدة من محتوى الغذاء) ، وتثبط وظيفة المناعة ، وتعيق من إنتاج احماض الدهنية المفيدة لمكافحة الالتهابات مثل butyrate.

لذا فعلينا اتباع نظام غذائي غني ومتنوع يتكون من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، وهو يؤدي إلى زراعة جيدة لميكروبيوم الأمعاء المفيد، الذى يعزز الصحة العقلية والبدنية والجهاز الهضمي. ويمكنك أيضًا تناول الأطعمة المشجعة وكذلك الغنية بالبكتيريا المفيدة مثل البقوليات كالعدس والفاصوليا ومخلل الكرمب والكيمتشي kimchi والزبادي.

 

ثانياً: الإفراط فى تناول المضادات الحيوية

الإفراط في استخدام المضادات الحيوية يمكن أن يؤثر سلبًا على القناة الهضمية ، على غرار الطريقة التي يمكن أن تسبب بها المواد الكيميائية في الأطعمة المصنعة الكثير من الأمراض الالتهابية؛ وهى مجموعة واسعة من الاضطرابات والحالات التي تتميز بالالتهاب، وتشمل الحساسية وأمراض المناعة الذاتية والاضطرابات الهضمية والتهاب الكلى والكبد والأمعاء. وكما تقتل المضادات الحيوية البكتيريا السيئة المرتبطة بالعدوى، لكن لسوء الحظ لها تأثير متساوٍ على البكتيريا الجيدة والسيئة. بعبارة أخرى ، يمكن أن يؤدي استخدام المضادات الحيوية إلى تغييرات ضارة في تكوين وتنوع ميكروبيوم الأمعاء لمدة كبيرة. لذلك، إلتزم بتناول المضادات الحيوية على النحو الذي يحدده الطبيب ، واستكمل الميكروبيوم الخاص بك بتناول الأطعمة المفيدة لنمو البكتيريا الصحية قبل وأثناء وبعد إستخدام المضادات الحيوية.

 

ثالثاً: تقليل مدة النوم

النوم هو العمود الفقري للصحة العقلية والبدنية ويمكن أن يؤدي قلة النوم، أو عدم كفاية النوم إلى إحداث فوضى في صحة الأمعاء. في حين أن البحث في هذا المجال لا يزال فى بداياته ، فإن نتائج دراسة شيقة نشرت عام 2016، تقول أن الحرمان من النوم على المدى القصير قد يكون له آثار سلبية على بكتيريا الأمعاء المفيدة. وعلى وجه التحديد ، قد تسبب الحرمان من النوم لمدة يومين في زيادة سلالة البكتيريا المرتبطة بزيادة الوزن والسمنة وداء السكري من النوع 2، وكذاك وضعف التمثيل الغذائي للدهون. ولذا، يمكننا ان نخطط بعناية إلى تعزيز ساعات النوم من ست إلى ثماني ساعات كل ليلة ، من أجل صحة أمعائنا. ربما يرتبط النوم الصحى أيضا بالسعادة وزيادة الإنتاجية للأفراد.

 

رابعًا: التدخين وتناول المشروبات الكحولية

ربما تتجاوز المخاطر الصحية المرتبطة بالتدخين بكل أنواعه إفساد صحة الأمعاء فقط. لكن الدراسات تشير إلى أن التدخين وشرب الكحوليات يمكن أن يؤدي إلى اختلال التوازن الميكروبي بالأمعاء من انخفاض شديد فى البكتيريا المفيدة وزيادة معدلات الأكسدة بالجسم.

 

مراجع للمطالعة:

B. Ramakrishna: Role of the Gut Microbiota in Human Nutrition and Metabolism. J Gastroenterol Hepatol. https://bit.ly/2SNaG7e

S. Hwan Lee et al.: Association between Cigarette Smoking Status and Composition of Gut Microbiota: Population-Based Cross-Sectional Study. J Clinical Medicine. https://bit.ly/2A7JUQA 

P. Engen et al.: The Gastrointestinal Microbiome: Alcohol Effects on the Composition of Intestinal Microbiota. Alcohol Res. https://bit.ly/35KYJEt

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى