هل حان وقت تشكيل تجمع وطني فلسطيني جديد؟
عصري فياض | فلسطين
قد يكون طرحا جريئا وخطيراً في ذات الوقت،لكنه في الحقيقة استشراف للحالة الفلسطينية التي لا تزال تدور في دوامات الالتفاف حول النفس،دون أن تخرج من مجموع المآزق التي مرت فيها خلال العقود الثلاث الماضية،وما جرى فيها من تحولايات اقليمية وفكرية كبيره هذه التغيرات وهذه الدوامات معا، غيّرت كثيرا من المفاهيم والوقائع فثلا الحركات القومية الفلسطينية تراجع حضورها كثيرا على مدى العقود الماضية بفعل تراجع المد والأثر ألقومي وتداعي اعمدته القومية بعد وفاة عبد الناصر وقدوم عصر الانفتاح على الغرب زمن السادات ومن خلفه مبارك واللذان فضلا الصلح مع اسرائيل على البقاء في بوتقة القومية،وكذلك سقوط بغداد في عام 2003 وانتهاء عصر صدام حسين، وكذلك الاحزاب والتوجهات اليسارية سواء كان الثورية أو غير الثورية، هذه التوجهات اصيبت في الصميم بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاستراكية ،ودخول عقد التسعينيات الى مرحلة القطب الواحد، وكذلك التيارات الاسلامية السياسية السنية على وجه الخصوص ،والتي شبت وقفزت قفزتها الكبرى في ما يسمى الربيع العربي، ولاقت ما لاقته من انقلابات كما حديث في مصر وتحجيم كما جرى ويجرى لحركة النهضة في تونس ، وتراجع القبول من قبل الشعب الجزائري بعد العشرية الدموية في التسعينيات من القرن الفائت، وكذلك تماهي الحزب الاخواني في المغرب مع التطبيع مع ” اسرائيل”، ومن قبلها خيبة الامل التي جاءت بعد فشل الثورة الافغانية الاسلامية في بناء نظام اسلامي ، والغرق في الصراعات والاحتراب الداخلي الذي جاء بطالبان وقلب الطاولة على الجميع،واحتضن القاعدة التي فعلت ما فعلت فأودت بالبلاد والعباد الى ما هي عليه الان افغانستان، وإنتهاء النظام شبه الاخواني في السودان بثورة تغيير شبابية جاءت بالعسكر والحركات الثورية للحكم،هذه التوجهات الثلاث القومية واليسارية والإسلامية السياسية السنية ، كانت على مر العقود الفائتة طاقة دعم للمنظمات والحركات النضالية الفلسطينية، طاقة دعم معنوية أكثر منها مادية مالية او عسكرية، مثل حركة فتح والجبهات وحماس والجهاد والفصائل القومية واليسارية والإسلامية الاخرى،وحتميٌ أن تصاب هذه الحركات والجبهات والفصائل بما يصاب به الحركات الام من ارتفاع وانخفاض، فتتأثر، وتصاب بمراحل مد وجزر،فحالة الاستقطاب والتعصب وصرامة الانتماء التي كانت في حياة تلك الفصائل، لم تعد كما كانت عليه في السبعينيات ولا الثمانينات ولا التسعينيات، ولا حتى في الخمسينيات والستينيات بعد نكبة فلسطين،فصراع الافكار الداعية للتصدي لهذا الوجود الاستعماري الانحلالي لفلسطين كان متقدا، والافكار التي جعلت ايضا من قضية فلسطين راية لها للانتصار والدعوة،وكانت تهدف ايضا للتغيير من الداخل كل حسب وجوده وقطره الذي ينتمي اليه بحجم ما يمنحه الحاكم من حرية ومساحة تعبير غالبا ما كانت مسقوفة بسقف متغير ومحدد مراقب حسب ما تقتضية مصلحة الحاكم.
المهم أن هذه الحركات التي كانت هويتها في الماضي متماسكه وشديده، ترهلت في العقدين الفائتين للاسباب المذكورة على وقع التغيير، ولم يعد الانتماء بتلك القدسية التي كانت عليه، الا من المحاربين القدامى الذين مع تقدم السن فيهم لا زالوا يعيشون حالة ألنرجسية ولا يقبلون الاندماج في وقائع جديدة.
والمهم أيضا ان الحدود الاستقطابية بين الفصائل ضعفت كثيرا وأصبح من السهل تخطيها والخروج منها سواء على المستوى الفردي او المستوى الجماعي الجزئي أو الكلي المؤقت أو المتواصل لفترة ما،هذا الواقع أفرز حالة من التناغم الفردي على ارضية لقاء وجهات النظر الوطنية، بمعنى أن كادرا من فتح مثلا، لا زال متمسكا بنهجه الثوري ورفضه لكل من نتج من توجه قياداته لاتفاقيات اوسلو التي لم تجلب للفلسطينيين غير التراجع والخسارة يلتقي بالموقف مع كادر حماس الذي بالرغم من أيديولوجيته التي تربى عليها، إلا ان ميدان المقاومة وساحاتها سواء في الخارج او في السجون قرّب هذان المناضلين الى بعضهما البعض أكثر والجبهة الشعبية التي كانت تحمل الفكر الماركسي القومي العروبي، تلتقي الان ونسبة تكاد تصل 100% سياسيا مع طرح حركة الجهاد الاسلامي التي تقوم على الفكر الاسلامي ألثوري وكذلك القيادة العامة والجبهة الديمقراطية وفصائل عارضت اوسلو وبقيت في دمشق مثل جبهة النضال والصاعقة وفتح الانتفاضة والحزب الشيوعي الثوري وجبهة تحرير فلسطين وغيرهما من الفصائل الوطنية ألفلسطينية ،ومعظمها تلتقي سياسيا في موقفها ونظرتها الشبه موحدة للقضية الفلسطينية من جانب ومن جانب آخر تلتقي بدعم الجمهورية الاسلامية الايرانية لمعظمها سواء كان داخل الوطن او خارجه، خاصة في غزة أو في المنافي والشتات.
وعندما نقول إيران فإننا نقصد أيضا الحركات الاسلامية الشيعية كالتي في لبنان والعراق واليمن وسوريا، والتي تزرع لنفسها مكانا في متغيرات المنطقة، وهي تسجل الكثير من النجاحات على مستوى دعم المقاومة اللبنانية ، و التصدى للعدوان على الدولة السورية بإسم الثورة، وهزيمة داعش في العراق بيد الجيش والحشد الشعبي ومكونات فصائل المقاومة العراقية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بإيران والتقدم الذي يحرزه انصار الله والجيش اليمني في اليمن، وهذا التجمع الذي اصبح يصطلح عليه ” محور المقاومة ” هو ظهير للحركات والمنظمات الفلسطينية المسلحة في القطاع، ويشكل معها امتداد وعمق اقليمي واقتصادي ساهم ويسهم في تطوريها وتقدمها وصمودها بإقرار الجميع واعترافهم بالرغم من حساسية التعامل مع إيران في الواقع العربي.
وإيران وبعد التجربة الطويلة تقدم نموذجا مختلفا في عالم السياسة العالمية والإنسانية، فجميع الفصائل التي تتلقى دعما منها تؤكد مرارا وتكرارا وبالشواهد انها لم تتلقى في أي مرة طلبات أو مقابل لهذا الدعم مهما كان وكبر،وأنها حقيقة أي إيران تعمل وفق مباديء ثورتها التي نجحت قبل اربعين عاما، هذه المبادئ التي تؤكد وجوب الوقوف إلى جانب المظلوم في أي مكان على الكرة الأرضية فكيف إذا كان الامر يتعلق بفلسطين وقضيتها المقدسة المتناغمة مع مبادئ تلك الثورة في أكثر من جانب أهمها الجانب الديني والإنساني والتقاء على مفاهيم كبيرة في الحياة.
من هنا نرى الخارطة اليوم ذات استقطاب محوري، فالشد والاستقطاب واضح ليس بوجهه الفكري والتنظيمي بالدرجة الاولى ، بل الاستقطاب محوري بمعنى حصول تقارب وتفاهم وانسجام على ارضية عدو عدوي صديقي، وهذا يتجلى بشكل واضح على الجانبين، فمثلا سوريا التي دعمت كل من الولايات المتحدة واوروبا واسرائيل وبعض دول الخليح العدوان عليها، لجأ نظامها للتعاون مع كل من إيران وروسيا والصين وبشكل متفاوت من أجل تحقيق التوازن المطلوب الذي يؤمن صد هذا العدوان وفشل كل المخططات ضدها، بالمقابل دول مثل الامارات والبحرين التي تكن العداء لايران، سارعت للارتماء في حضن “اسرائيل”، لتشكيل جبهة موحدة في وجه إيران، وهكذا.
إن إنعاكس ذلك على ساحة الاستقطاب السياسي الفلسطيني واضح جدا، لكنه ، وكون تلك القضية الحية التي تمثل ايقونة الحق والظلم في العالم، لا تزال هذه الحالة متحركة وغير ثابتة، بمعنى أن الحالة الفلسطينية حتى تستمر وتتواصل حيويتها على ارضية الاشتباك اليومي مع المحتل بوجهيه الجيش والاستيطان، لا بد من وجود ارضية لقاء بين من هم محسوبون نظريا على فصائل وأيدلوجيات أن يلتقوا على ارضية وطنية ميدانية، وهذا الامر تجلى في كثير من الوقائع محدودة في العقدين الماضيين،مثل الحروب الثلاث على غزة ومعركة مخيم جنين، والمواجهات الميدانية في غير مكان وزمان على ساحة الوطن ألفلسطيني واخرج أفضل لوحة نضالية ناصعة صنعت نقاط مضيئة في مسيرة النضال ألفلسطيني لكن السؤال الكبير هنا، لماذا لا يتطور هذا الامر ليكون اعرض وأوسع وأدوم في ساحة النضال ألفلسطيني إلم يأن الاوان لتشكيل تجمع فلسطيني خال من التعصب الايدلوجي والفكري والتعصب الاعمى والتبعية ألمنقادة ويكون القاسم المشترك بينهم هو قاعدة النضال عامة وواضحة ومحددة الانطلاق والهدف؟؟ إلم تفرز حالة تأجيل الانتخابات التي جرت الخميس ألفائت وما حصل من ردود فعل عليها توضيح عن خارطة فلسطينية جديدة مكونة من ستة وثلاثين قائمة تمثل احزابا وحركات وحراكات وفصائل قالت لا للتفرد بقرار فلسطيني هام،بل بالغ الأهمية، لماذا نترك حالة الاحباط التي اصابت الكثيرين من هذا القرار تستشري فينا لزمن لا يعلمه الا الله، ولا نستثمر هذه الحالة لتشكيل تجمع وطني يأخذ زمام المبادرة لتجسيد أحلام وثوابت وتطلعات الشعب ألفلسطيني بل وبناء مؤسسات جديدة نابعة من توجهات ذلك التجمع ويكون الكادر الفتحاوي الرافض لما يجري على رأس هذا التجمع حتى لا يكون انقسام جديد أوإنقشاق يستغله المحتل والمتربصين بالشعب والقضية ،وينهي حالة الانقسام والتفرد بالقرار، ويشكل قيادة موحدة حقيقية للشعب الفلسطيني تأخذ بيده من حالة التخبط والتراجع لحالة الاقدام والمبادرة، وحتما سيجد هذا التجمع احترامه ودعمه، وسيكون جاهزا للولوج أو العودة لهيكلية منظمة التحرير الفلسطينية بعد إصلاح مؤسساتها بشكل جذري وحقيقي، تماما كمن يخرج مؤقتا من بيته المتداعي ويعود اليه بعد ترميمه وإعادته لحالة صلاحيته للسكنى والحياة.